Okaz

أهال بـ «دومينو التقسيم»

-

يتجه إقليم كردستان نحو االستفتاء لتقرير مصيره السياسي عن العراق يوم الخامس والعشرين من شهر سبتمر الحالي، وتتجه معه أنظار العالم واملتابعني نحو نتيجة هذا االستفتاء الهام وتداعياته على منطقة الشرق األسط بشكل عام وعلى املنطقة العربية بشكل خاص. ليس الهدف من كتابة هـذه السطور مناقشة حق الشعب الكردي في تقرير مصيره وإعالن دولته القومية، ألن هذا حق جميع شعوب العالم أن تعيش حرة كريمة على أراضـيـهـا دون وصـايـة وشـــروط مـن الـــدول أو الـشـعـوب األخرى. وذلــك حسب ميثاق األمــم املتحدة واإلعـــال­ن العاملي لحقوق اإلنسان، وهو مبدأ إنساني ال نقاش عليه، بل الهدف رصد هذا الحدث وتحليل تداعياته اإلستراتيج­ية على املنطقة العربية، ووضعه في ميزان الربح والخسارة ألطراف معنية به بشكل مباشر. تـمـر الــعــديـ­ـد مــن مـنـاطـق الــعــالـ­ـم الــيــوم بــتــحــو­الت وتــحــديـ­ـات كبيرة، لـكـن دون أدنــــى شــك ان املـنـطـقـ­ة الـعـربـيـ­ة تـمـر بـمـتـغـيـ­رات وتطورات فـي غـايـة األهـمـيـة والــخــطـ­ـورة، نتيجة تـداعـيـات الــثــورا­ت الـتـي عرفت بالربيع العربي والتدخالت األجنبية، والتي وضعت الـدول العربية ومــجــتــ­مــعــاتــ­هــا عــلــى حـــد ســـــواء أمـــــام تــحــد خــطــيــر ومـــخـــا­ض عسير ومنعطف تاريخي لم يمر على منطقتنا منذ قرون طويلة. ستصحو املنطقة بـعـد االنــتــه­ــاء مــن الــحــروب الـداخـلـي­ـة واملـــؤام­ـــرات الخارجية على وضع جديد يختلف تماما عما كانت عليه خالل القرن املاضي، وسـتـكـون مــن أهــم إفـــرازات­ـــه ظــهــور دول جــديــدة فــي املـنـطـقـ­ة وتقسيم بعضها الـتـي تــدور رحــى الــحــروب والــصــرا­عــات الداخلية فيها وفي مقدمتها العراق وسوريا واليمن، على املدى املنظور. وبما ان قضايا دول املنطقة متداخلة، فستتأثر نتيجة تلك املتغيرات وستنعكس سلبا وإيجابا على بعض الدول والشعوب، وسيمتد «دومينو التقسيم» إلى دول أخرى، أهمها إيران وتركيا، كنتيجة طبيعية لحركة الشعوب في تلك الدولتني من جهة وتأثرا بالهزات االرتدادية لزلزال التغيير الذي ضرب املنطقة من جهة أخـرى. ولعل حديث السيد إنطوني غوتيرس األمني العام لالمم املتحدة يوم التاسع عشر من شهر سبتمبر الحالي ومــن منصة الجمعية الـعـامـة لـالمـم املـتـحـدة والـــذي حــذر مــن «تفكك املجتمعات» كأحد التحديات التي تواجه العالم، كانت إشارة واضحة إلى ما تمر به املنطقة العربية من فوضى وحروب ستؤدي بالنتيجة النهائية إلى تفكك عدد من دول املنطقة. قد عزم إقليم كردستان العراق على إعـالن استقالله السياسي والذي كان قائما على أرض الواقع منذ بداية التسعينات من القرن املاضي وبالتحديد بعد حرب الخليج الثانية، عندما خرج اإلقليم الذي كان يتمتع بحكم ذاتي، عن سيطرة حكومة بغداد، نتيجة الحرب والحصار الذي فرض على العراق من قبل الواليات املتحدة األمريكية والعديد من دول العالم. ويأتي عـزم كردستان إلعــالن استقالله السياسي عن العراق نتيحة الرغبة الشديدة للكرد في قيام دولتهم القومية، والتي وجدت في املتغيرات الكبيرة التي تعصف باملنطقة فرصة قد ال تتكرر بعد قرن من الزمان، والتي شكلت تلك املتغيرات حاضنة مواتية لذلك اإلعالن املوعود. وبغض النظر عن حصول االستفتاء في موعده املعلن أو تأجيله إلى وقت آخر نتيجة الضغوط اإلقليمية التي تمارسها عدد من الدول، سيكون نقطة البداية للتغير والتحول الجيوبوتيك­ي ليس في العراق فحسب، بل سيمتد بشكل سريع نحو سوريا وإيران وتركيا، تلك الــدول التي تتواجد فيها القومية الكردية. وستتأثر جميع تلك األجزاء بهذا الحدث التاريخي بشكل مباشر. وإذا كان الجزء السوري من الكرد قد شق نصف طريق شقيقه في الجزء العراقي، قبل أن تحط رحى الحرب أوزارهــا في سوريا، فمن املؤكد أنه سيصل إلى مبتغاه بسرعة كبيرة، خاصة إذا أخذنا الدعم األمريكي له بعني االعتبار تحت غطاء محاربة داعش في سورية من جهة، واملصلحة اإلسرائيلي­ة في تقسيم سـوريـة إلــى دولـتـني عربية وكـرديـة على أقــل االحـتـمـا­الت، من جهة أخرى. وأرى مــن الـــضـــر­ورة املــلــحـ­ـة وضـــع قـضـيـة اســتــفــ­تــاء إقــلــيــ­م كردستان الــعــراق، فــي مــيــزان الــربــح والــخــسـ­ـارة لـلـعـرب، مــن خــالل طــرح السؤال التالي: هل سيخسر العرب في حال قيام دولة كردستان أم سيربحون؟ وماذا سيكون نصيب جيران العرب وبالتحديد إيران وتركيا من ذلك التغيير الكبير في خارطة املنطقة. وبنظرة سطحية، يعتبر العديد من العرب أن استقالل كردستان خسارة كبيرة لهم، لكن الحقيقة عكس ذلك تماما، خاصة إذا نظرنا بعمق ورؤيـة مستقبلية لتداعياته الحتمية على العرب وجيرانهم على حد سواء. وبـمـا أن الـشـعـب الــكــردي قــد وزع عـلـى أربـــع دول، هــي تـركـيـا وإيران وســوريــا والــعــرا­ق فــي بــدايــات الــقــرن املــاضــي وبـالـتـحـ­ديـد فــي عملية مـعـاهـدة «سـايـكـس بـيـكـو» الـتـي قسمت شـعـوب املنطقة الــى دويالت عديدة حسب املصلحة البريطانية الفرنسية في تلك املرحلة، فإن أي تطور إيجابي أو سلبي الي جزء من تلك األجــزاء األربعة، سينعكس بشكل مباشر على األجـــزاء األخـــرى. تشير املــؤشــر­ات إلــى أن القومية الـكـرديـة فــي إيـــران وتـركـيـا ستلتحق بإشقائهم فــي الــعــراق وسوريا بشكل عاجل، نتيجة ظروف الكرد الذاتية وظروف املنطقة املوضوعية الجاهزة للتغير. وتعتبر الزيارات املكوكية التي قام بها املسؤولون اإليرانيون لبغداد وأنقرة وأربيل لنقل الرسائل التهديدية إلقليم كردستان، من جهة، وما قامت به تركيا من زيــارات إقليمية ودولـيـة ونشر قواتها العسكرية عـلـى تــخــوم كــردســتـ­ـان فــي إطـــار مـــنـــاو­رات عـسـكـريـة مــن جـهـة أخرى، محاوالت إللغاء االستفتاء أو لعرقلته، خوفا من ارتداداته ومستحقاته املستقبلية. وأكــد على تلك املخاوف أمـني مجلس تشخيص مصلحة الـنـظـام اإليــرانـ­ـي «محسن رضــائــي» الـــذي زار الــعــراق فــي بــدايــة شهر سبتمبر الحالي بمعية رئيس املجلس «هاشمي شــاهــرود­ي»، حيث قــال: «استفتاء كردستان سيؤدي إلـى تداعيات خطيرة ونحن ضده، ولو جرى تقسيم العراق، فإن األمر سيمتد إلى سوريا وتركيا وتندلع حــروب انفصالية فــي املـنـطـقـ­ة». وأضـــاف رضــائــي «إن هــذا هــو سبب معارضة إيران وتركيا وسوريا والعراق الشديدة لالستفتاء». وأكدت وزارة الخارجية اإليرانية هي األخــرى عبر متحدثها بهرام قاسمي، خطورة تداعيات االستفتاء على الوضع الداخلي اإليراني بقوله: «إن استفتاء إقليم كردستان العراق خطأ إستراتيجي، يهدد أمن واستقرار العراق، ويجر املنطقة للفوضى والتقسيم». يأتي تخوف إيــران ومعارضتها الشديدة الستفتاء كردستان العراق ليس حرصا على وحــدة الـعـراق كما يزعم قــادة طـهـران، بل خوفا من تداعياته الحتمية على الشعوب غير الفارسية فـي خارطتها، حيث تعتبر كـردسـتـان الــعــراق الحاضنة األسـاسـيـ­ة ملعظم قـيـادة كردستان الشرقية (كردستان الواقعة تحت إحتالل إيران) واملجموعات املسلحة (البيشمركة) التابعة لـهـا. مـن هنا يتبني أهـــداف ودوافـــع التهديدات اإليرانية التركية الرامية إلى وقف «دومينو التقسيم». سيخلق إعالن استقالل كردستان الـعـراق ديناميكية قوية لـدى أكــراد إيــران وتركيا، بـل ستدفع الـشـعـوب األخـــرى الـتـي تــرزح تحت احـتـالل إيـــران كالعرب األحــوازي­ــني والـبـلـوش والتركمان والــتــرك األذربـايـ­جـانـيـني إلــى اتخاذ خطوات عملية في نفس االتجاه، وعندها سينفرط عقد إيران. وتعي طهران جيدا بأن الشعوب غير الفارسية في خارطتها تناضل مـنـذ عـقـود مــن أجــل استقاللها الـسـيـاسـ­ي، حـيـث ربـطـت تـلـك الشعوب نضالها، بل مصيرها ببعضه عبر تحالفات سياسية وعمل مشترك، تبلور فـي سـاحـات عـديـدة وهــي عـازمـة على ترسيخه وتقويته، نظرا للتحدي املشترك الذي يواجه وجود تلك الشعوب من قبل طهران. وتؤكد املعلومات والتحليالت بـاالتـفـا­ق، عند أبـنـاء الشعوب غير الفارسية في إيــران، على حقيقتني إساسيتنب وهما: األولــى، بأن النظام الحاكم في طهران سيكون آخر نظام يحكم جميع الشعوب غير الفارسية في الـخـارطـة اإليـرانـي­ـة. والثانية، أن خــروج أي قومية مـن تحت الهيمنة الــفــارس­ــيــة، ســيــؤدي بــالــضــ­رورة إلـــى خـــروج الــقــومـ­ـيــات األخـــــر­ى، وفي حـال خــروج القومية الكردية على سبيل املثال من الهيمنة والسطوة اإليرانية، هذا يعني تفكك إيران على أساس قومي. وبخروج األحواز من الهيمنة الفارسية وعودتها إلى الحضن العربي، سيعوضون العرب ما خسروه من أراض وثــروات في العراق وسوريا جراء انفصال كردستان من تلك الدولتني. وإذا ما قارنا خروج كردستان من الخارطة العربية وعودة األحواز إليها باألرقام، فيمكننا القول إن العرب هم الرابحون من عملية تقسيم املنطقة، حيث مساحة األحواز 370( ألف كيلومتر مربع) تعادل نحو تسعة أضعاف مساحة كردستان الــعــراق 40( ألـــف كيلومتر مــربــع)، وثــرواتــ­هــا النفطية تــعــادل أربعة أضعاف ثروات كردستان النفطية، حيث تمتلك األحواز من االحتياطات النفطية املؤكدة نحو 160 مليار برميل، مقابل نحو 38 مليار برميل في كردستان العراق. وتمتلك األحــواز ثـروة الغاز الهائلة وهي تشكل ثاني احتياطي الغاز الطبيعي في العالم بعد روسيا بمقدار نحو 34 مليارا و02 مليون متر مكعب. كما أن موقع األحواز اإلستراتيج­ي املطل على الضفة الشرقية للخليج العربي، سيعطي العرب امتيازات عسكرية واقتصادية وجيبوبولتي­كية عديدة. وستكون الجزر اإلماراتية الثالث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى ولواء إسكندرونة في متناول الـيـد بعد زلـــزال التقسيم الـقـومـي الــذي سيحل فـي تركيا وإيـــران بعد العراق وسوريا. فأهال بدومينو التقسيم، وبعودة األحـواز واألراضي العربية األخرى إلى الحضن العربي، وبمجيء الحق وزهوق الباطل.

 ??  ?? حسن راضي *
حسن راضي *

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia