مركز الصراعات واحلروب الدولية احلالي..!
يقف كثير من املراقبن السياسين، ناهيك عن نسبة كبيرة من أهالي «شرق العجائب األوسط»، مشدوهن حيارى.. أمام كثير مما يجرى في منطقتهم، التي أضحت معظم أرجائها تغلى، التهابا واضطرابا. الغالبية أصبحت فجأة مصدومة ومندهشة مما تعانى منه كثير من باد هذه املنطقة البائسة من صراعات، وحروب.. إضافة إلـى احتماالت صراعات قادمة وقاقل ال تنتهى، تكاد أن تندلع في بعض أنحائها بن عشية وضحاها. والواقع، أن التأمل املوضوعي الثاقب في واقع هذه املنطقة وأحداثها، يوضح حقيقتها.. وسرعان ما يفك طاسمها. فالداء أمسى واضحا، وأسهل مناال على األفهام. وقـد قلنا مــرارا إن ما يجرى باملنطقة العربية من أحــداث ووقائع سياسية مــدمــرة وجــســام، سـبـب معظمها هــذا الــتــصــارع الـعـاملـي فــي وعـلـى املنطقة، والــذى كــان مـن نتائجه أن أصبحت منطقتنا العربية أكثر مناطق العالم اضــطــرابــا وعـــدم اســتــقــرار وتـخـبـطـا. هـــذه املـنـطـقـة مـبـتـاة بــعــدم االستقرار املــزمــن، بسبب «عــوامــل» تـكـاد أن تـكـون مـعـروفـة لكل املعنين. فما املنطقة فيه من ضعف وتخلف واضـطـراب وتـشـرذم، يـرد -عــادة، وكما أشرنا مرارا وتـكـرارا- إلـى العاملن الرئيسن: العامل الذاتي (الداخلي) وأبــرز عناصره ومكوناته السلبية هي: سوء تفسير الدين اإلسامي الحنيف من قبل البعض (اإلساموية)، املذهبية املتطرفة، الطائفية اإلقصائية، االستبداد السياسي... إلخ. أما العامل الخارجي، فيتركز في: عداء التحالف الصهيوني -اإلمبريالي لهذه األمــة، وسعيه لتقويض العروبة واإلســام. إضافة إلى تصارع القوى الـعـاملـيـة الـعـظـمـى والــكــبــرى الـسـيـاسـي عـلـى إمــكــانــات هـــذه املـنـطـقـة الهامة ومقدراتها املختلفة. سقط معظم املنطقة مريضا سياسيا متهالكا. ذاك هو «داؤه»، ومعكوسه هو الدواء. وهناك، وال شك، «تداخل» وترابط وثيقان بن العاملن الداخلي والخارجي. ولـوال الوضع الداخلي والذاتي العربي الــرديء، ملا تمكن العامل الخارجي من تحقيق أغلب مآربه السلبية في األرض العربية. فالعامل الخارجي نجح تماما في «تسخير» الوضع الداخلي (بأغلب معطياته) لخدمة سياساته وأغراضه، وتحقيق أهدافه -الواحد تلو اآلخر- بسهولة قياسية. بل إن كثيرا مـن األهـــداف الخارجية الـضـارة -كما نشاهد اآلن - تحققت «بيد املعنين، ال بيد عــمــرو»..؟! وال نبالغ إن قلنا أن أغلب السياسات الخارجية املعادية تتحقق على يد وكاء ومقاولن باملنطقة.
*** يأتي هذا التصارع العاملي على املنطقة ليزيد طينها بلة، وهي الواقعة في بؤرة الصراع السياسي الدولي، وتمثل كثير من بلدانها بؤر نزاعات ساخنة. لنسلم، تبسيطا: أن باملنطقة العربية اآلن تكتلن عاملين كبيرين متنافسن ومتنافرين.. األول هو التكتل الغربي بزعامة الواليات املتحدة، أما التكتل الثاني املضاد واملنافس للتكتل الغربي، فهو يتكون من القوى املناوئة حاليا للغرب، وفي مقدمتها روسيا والصن، ومن يسير في فلكيهما. ولكل من هذين التكتلن حلفاء من املنطقة نفسها. وكل من هذين التكتلن يعمل ملا يحقق مـا يعتقد أنــه مصالحه. إذ غالبا مـا يكون حــراك هذين التكتلن باملنطقة فــي اتــجــاه سلبى ومــضــاد بالنسبة للمصالح العليا الـعـربـيـة واإلسامية الحقيقية. وأغلب من يدعون أنهم يعملون على استتباب األمن واالستقرار باملنطقة، إنما يعملون ذلـك بما يتوافق ومصالحهم ومراميهم وأهدافهم الثابتة، متغيرة التفاصيل. وغنى عن القول إقرار أن أغلب ما يجرى باملنطقة إنما يعكس حـراك هذين التكتلن، وسياساتهما نحو املنطقة، ال سياسات نابعة من رغبة وتطلعات وحاجات الشعوب املعنية هنا. وال يعمل أي تكتل على إقامة استقرار قائم على أسـس صحيحة وصلبة، عـمـادهـا الـحـريـة والــعــدالــة واملــســاواة والــشــورى والـتـكـافـل االجـتـمـاعـي.. كي تـعـيـش األمــــة كــريــمــة مـسـتـقـلـة، فــي أرضـــهـــا، وتـتـمـتـع بـحـقـوقـهـا املشروعة، وبإمكاناتها الطبيعية والبشرية، بما يحقق لها األمن واالستقرار والتقدم واالزدهـــار، ويجعل لها مكانة مقبولة بن أمـم األرض املعاصرة. فهذا غير وارد من قبل األغيار، أطراف هذين التكتلن. الوارد هو «تكريس» تخبطها وتخلفها. وليس في نوايا معظم هؤالء األطراف -كما يبدو- خير لهذه األمة، بــل إن بعضهم يعمل عـلـى اسـتـغـال إمـكـانـاتـهـا لـصـالـحـه، عـبـر إضعافها، وإذاللـهـا. وأفضل وسائل إضعافها (فـي حساباتهم) هـي: تخبطها الفكري والــعــقــائــدي، وتـقـسـيـمـهـا وشــرذمــتــهــا، وخــلــق كــيــانــات ودويـــــات متنافسة ومهترئة ومتهالكة، وعلى أسس طائفية ومذهبية ومصلحية خاصة.
*** إن مـسـؤولـيـة اإلصــــاح (الــشــفــاء) وتـصـحـيـح هـــذا الــوضــع الــقــاتــم تـقـع على الشعوب والنخب العربية املفكرة املستنيرة، إضافة إلـى القيادات العربية املخلصة. وسيخيب من يراهن على التكتلن اللذين ال يهمهما إال مصالحهما األنانية واالنتهازية. ومعظمهم يتبع أسلوب «أنا أكسب، وليخسر غيري»، وليس أسلوب «ألستفيد، وأفيد». صحيح، أن زعماء هذين التكتلن أقوياء يصعب، أن لم يستحيل، مقارعتهم، والتصدي ملخططاتهم. ولكن، وبشيء من التنظيم السياسي السليم، وقليل من الحكمة السياسية، يمكن إرغام هذه القوى، أو جعلها مضطرة التباع أسلوب يحقق املصالح املشتركة، وال يخدم مصالح طرف على حساب طرف آخر. وهذا لن يحدث إال عندما تقف الشعوب املعنية دون حقوقها املسلوبة، وأولها الحق في إدارة شؤونها بنفسها، ال عبر وسطاء وسماسرة يحترفون ظلم املاين بالعمالة والـكـذب والنصب واالحتيال. اللهم احم بادنا من شرور ما حولها.