شبيه األم!
يـغـلـب عـلـى كـثـيـريـن حــن يـتـحـدثـون عن الوطن تشبيهه باألم. فــــــاألم لــيــســت مـــجـــرد صـــــدر حــــــان وقلب رؤوف، األم أكبر من ذلـك بكثير، األم هي الــخــيــمــة الــتــي يــفــيء إلــــى ظــلــهــا األبناء، وهـي املــورد العذب الـذي ينهلون منه ما يــروي ظمأهم ويسكت جوعهم، األم هي مركز الحماية واألمن، في حضنها يتبدد الــفــزع فـيـسـري دفء األمــــان فــي العروق، األم هي مصدر املعرفة، كلما استغلق أمر كان عندها التفسير والتعليل، واألم هي السند الــدائــم وقــت الــشــدة، ال تتخلى وال تتذمر، كلما استعصت حاجة كان سلمها جاهزا للتسلق فوقه لبلوغ ما استعصى. ثــم إن األم مــع كــل ذلــك الــعــطــاء، ال تعرف املن، وال تنتظر حمدا وثناء، فهي تفعل ما تفعل بدافع الحب ليس إال، تجد سعادتها فيما تفعله مـن أجـل أبنائها، غايتها أن تـــراهـــم أمــامــهــا ســـعـــداء أعــــــزاء، لــذلــك هي تنأى بهم عن اإلذالل باملن عليهم أو توقع الحمد والشكر منهم. بـعـد هـــذا، هــل مــن عـجـب أن شـبـه الناس أوطانهم باألم؟ فــالــوطــن كــمــا يــعــرفــه غــــازي الـقـصـيـبـي - رحــمــه الــلــه، «هــو رغــيــف الـخـبـز والسقف والشعور باالنتماء والـــدفء واإلحساس بالكرامة». لـقـد قـيـل الـكـثـيـر مــن الــتــغــزل فــي الوطن، فالوطن «أجمل أراضي الدنيا»، و«أجمل قصيدة في ديوان الكون»، وهو «بوصلة الباحثن عن االتجاهات»، و«سند من ال سند لــه»، وغير ذلـك من األقــوال اململوءة حبا وامتنانا للوطن، لكن أجمل ما قيل فـــي حـــب الــــوطــــن، مـــا قـــالـــه جـــــال عامر: «قـد نختلف مع النظام لكننا ال نحتلف مـــع الــــوطــــن، ونــصــيــحــة أخ، ال تــقــف مع (مــيــلــيــشــيــا) ضـــد وطـــنـــك، حــتــى لـــو كان الـــوطـــن مــجــرد مــكــان تــنــام عــلــى رصيفه لــيــا». وأيــضــا مــا قـالـه محمود درويش: «لــيــس وطــنــي دائــمــا عــلــى حـــق، لـكـنـي ال أستطيع أن أمـــارس حقا حقيقيا إال في وطني». فــالــوطــن مـهـمـا ســــاءت الــحــال فــيــه، يظل مــكــانــه مـــــلء الـــعـــن والـــقـــلـــب، كــمــا يقول شاعرنا القديم: «وتستعذب األرض التي ال هـــوى بــهــا،، وال مــاؤهــا عـــذب، ولكنها وطن!». يـــوم أمـــس احـتـفـلـنـا بــبــلــوغ وطــنــا العام الـــســـابـــع والـــثـــمـــانـــن لـــوحـــدتـــه، فللوطن وأبنائه أجمل التهاني. ولعل أول من يستحق تهنئتنا وشكرنا وامـتـنـانـا، جـنـود الــوطــن املــرابــطــون على حـــــــــــدوده، يــحــمـــونـــهـــا ويـــــصـــــدون عنها الــنــوازل، فاللهم مــن عليهم بالنصر من لــدنــك، واجـــزهـــم عــن الــوطــن وأهــلــه خير الـــجـــزاء بــمــا قـــدمـــوا ويـــقـــدمـــون مـــن عمل صالح. واللهم احفظ وطننا عزيزا مجيدا آمنا، وأعنا على العمل املخلص الجاد من أجل نموه ورفعته وتقدمه.