Okaz

‪XO u² « W ôoeË AEAE…—UO‬

-

بمقدور أي إنسان متابع للمملكة العربية السعودية منذ ملحمة التوحيد وبطلها املؤسس امللك عبدالعزيز، طيب الله ثـراه، أن يرى أن كافة القرارات الـتـي تتخذها الـقـيـادة على مـر الحقب والـعـهـود، تتسم بالحكمة العالية، والتقدير املحسوب بدقة، على مستوى الحال والزمان، بما يتيح لكل قرار تصدره القيادة، مهما كان، الفرصة املهيئة للقبول، والتعاطي معه بسالسة ويسر وانفتاح، وبخاصة في القضايا التي تعالج األوضاع االجتماعية املتوارثة، وحتمية االنتقال بها من مرحلة إلى أخــرى، وفـق املتغيرات على املستوى املحلي واإلقليمي والعاملي؛ وهـو انتقال ال يخرج بالضرورة عن الثوابت املرعية واملحكومة برواسخ الشريعة اإلسالمية. ولعل قضية قيادة املـرأة السعودية للسيارة، ظلت من أعقد القضايا املتوارثة في الساحة املحلية ردحا من الزمن، لعوامل يختلط فيها العرف االجتماعي، بالهاجس األمني، مع محاوالت إللباس ذلك غطاء دينيا، ال يستند إلى نص شرعي قاطع الداللة باملنع، وواضـح اإلشـارة بذلك.. وتدرجت القيادة الرشيدة عبر الحقب والعهود في تحريك هذا املوضوع وطرحه للنقاش، ليفتح بذلك النوافذ نحو التعاطي مع اآلراء، والقبول بالرأي والرأي اآلخر فيها، لتجيء املحصلة من كل هذا التدريج واملناقشة املفتوحة، بهذا اإلعـالن التاريخي من قبل خادم الحرمني الشريفني امللك سلمان بالسماح للمرأة بقيادة السيارة. إن لهذا القرار في هذا التوقيت بـالـذات دالالت مـن املهم أن تؤخذ فـي االعـتـبـا­ر، ورمـــوزا وإشـــارات مـن املفيد أن يستصحبها الـجـمـيـع، ســـواء الــذيــن اسـتـقـبـل­ـوا هــذا الــقــرار بـالـتـرحـ­اب املـطـلـق، أو الذين تأرجحوا فيه بني القبول املنقوص والحذر الذي يماسس دائرة الرفض بحسابات تدور في أذهانهم، وال بد لنا من أن نناقش األمر معهم على قاعدة الحرية، وقبول اآلراء. فدالالت هذا القرار تكمن بشكل أساسي في توقيته، وليس في ماهية صوابه في ميزان الشرع، فتلك قضية محسومة، وزاد من حسمها ما أشارت إليه هيئة كبار العلماء بمطلق اإلباحة في ميزان الشرع، ويفتش عن ما يناظرها قياسا في حياة املسلمني قديما وحديثا، فليس ثمة مجتمع نحا نحو تحييد املرأة من قيادة السيارة سوى املجتمع السعودي، بما يجعل القضية فـي األســـاس قضية مجتمع، ولـيـس قضية ديــن ونـصـوص شرعية، وعليه فإن االستناد الديني يقف بالكامل في حق املرأة لتولي أمر قيادة السيارة بنفسها.. وتبعا لهذا يأتي التقدير املثالي لقيادتنا الرشيدة في استشعار التوقيت املناسب إلصدار هذا القرار، ويتجلى هذا التقدير بالنظر إلى رؤية اململكة 2030 التي تستشرف آفاقا رحبة على كافة املستويات، بما يحتم كذلك أن يكون املجتمع بكل أطيافه مستعدا ومهيأ لهذه االنطالقة الكبيرة، فمفهوم أن اململكة ووفقا لهذه الرؤية متجهة صوب تفعيل كل مفاصل املجتمع، لـتـغـادر مـربـع الـعـقـل االسـتـهـا­لكـي، والــســلـ­ـوك االتــكــا­لــي إلــى غــايــات املــشــار­كــة فــي الحركة االقتصادية بكل نوافذها، األمر الذي يفتح اآلفاق نحو توطني الوظائف، وتوسيع مظلة السعودة، وتحجيم دور العمالة الوافدة، وتمثل وظيفة «السائق الخاص» إحدى الوظائف التي ما كـان لها أن تكون حاضرة في سـوق العمل السعودي لو أن جميع أفــراده كانوا بحجم املسؤولية التي تجعل من أمر قيادتهم لسيارتهم أمرا شخصيا، بالذات املرأة على وجه التحديد، بوصفها العنصر الذي عطلت إمكانياته في هذا الجانب ألمور اجتماعية بحتة، وبحجج أوهـن وأهـون من أن تثبت أمـام النقاش البصير، فحركة املـرأة بالسيارة قبل هذا القرار ستكون هي ذات حركتها من بعده، والفرق الوحيد أن هناك «أجنبيا» كان يتولى إيصالها إلـى حيث تريد لقضاء أمورها وشؤونها الحياتية املباحة، وبعد هذا القرار تنحى ذلك «األجنبي»، وتولت املـرأة القيادة بنفسها، في مشهد سيدل كل الداللة على عامل الثقة املطلوب، وتقدير دور املرأة املحجوب، وتوفير اقتصادي يتسق ويتماشى مع رؤيـة اململكة املستقبلية. والـداللـة األخــرى املـأخـوذة من هـذا القرار أنـه يقطع الطريق على املزايدين، الذين كلما أرادوا أن يرموا اململكة بسهم من دفاترهم الصدئة حرمان املرأة السعودية من أبسط حقوقها في قيادة السيارة، ومـا دروا الحكمة في السير نحو هذه القضية بالخطوات الوئيدة، والتقديرات املحسوبة، فهذا القرار من شأنه أن يسكت هذه األصوات الناعقة، والنوايا املفخخة.. وحتى على مستوى الداخل، فاألمر مداره على األسر ومـا تـراه بنفسها، فالحرية متاحة أمامها أن تستمتع بالقرار ومـا يدخره من حسنات، وأن تقف منه على مبعدة، شريطة أن ال يخرج علينا أحد باملنع والتحريم دون سند او دليل، فال بد أن يوقف عند حـده حيئنذ. نعم، ستكون لهذا الـقـرار مظاهره العديدة في جسد املجتمع في الفترة املقبلة، وهي امتحان جدير باملجتمع بكل فئاته أن يدخله بوعي، ويدرك املغزى واملرمى منه، وأن ال ينكفﺊ على ما ورثه في السابق حيال هذه القضية من قناعات غير مسنودة بشرع، ما عادت متسقة مع الظرف الزماني وال املكاني. ثـمـة همسة أتــوجــه بـهـا إلــى املــــرأة الــســعــ­وديــة، وقــد وجـــدت الــدعــم والــعــون مــن قيادتنا الرشيدة، إن هذا القرار يراهن في األساس على وعيك أيتها املرأة العزيزة، وقدرتك على االستفادة منه في ما يخدم املجتمع، فاألمر ليس ترفا نهايته عبث، وليس حرية تفضي إلى فوضى، ولكنه تقدير ملتغيرات حتمت أن يكون مقود السيارة بيدك، لتتحرك خطاك في رحابة العطاء بثقة، وفي الطرقات بذات الحشمة املعروفة عنك، والذوق الذي تتسمني به وإنه لرهان ناجح بال شك، ألن جوهرك الوعي، وتاجك الوقار، وآخر دعواهم الحمد لله رب العاملني.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia