Okaz

هل مازلت أرفض القيادة؟

- Mshisa2030@gmail.com

كنت من املعارضني لقيادة السيارة ومن أشدهن في هذا األمر، وما ذلك إال لخوفي مـن فكر الليبرالين­ي ومخططاتهم، ومــن تخويف البعض لي بالفساد واالنحال الذي يتوهم حصوله، ومع الزمن اكتشفت أنها قضية للتشغيب واإلثارة من تيارين في البلد. وقد قلت في إحدى مشاركاتي في وسم قيادة أكتوبر قبل سنوات، إنني لن أعترض على قـرار قيادة السيارة إن صـدر من الـدولـة، لثقتي فيها وإليماني بمنهج أهل السنة والذي يمنعنا من شحن الناس على والة األمر، ويمنعنا من االنتقاد علنًا. لسنا متناقضني أبدًا، لكننا مع القادة والعلماء في هذا البلد، وال نرد الكام بعدهم، كما أننا نسعى لتحصني دولتنا ضد كل من أراد فيها الشغب واإلثارة والتحدي، ثم إن هذا األمر بالنسبة لي يعد أمرًا صغيرًا، وما ضخمه سوى ثلة أرادت إحراج دولتنا في كل مكان. لقد كان من أسباب رفضنا لقيادة املرأة للسيارة سابقًا ما يلي: -1 ألن قيادتنا رأت املنع (في ذلك الوقت) وهي أدرى بما يقر وما ال يقر ونحن نثق في حكمتها وسداد رأيها. -2 ألن العلماء رأوا (في ذلك الوقت) بأن مفسدة القيادة أكثر من نفعها فحمونا بفتاواهم من تبعات مفاسدها. -3 الظروف البيئية واالجتماعي­ة غير املواتية (في ذلك الوقت)، ونطمع في تحسنها السريع عقب القرار. ٤- أن بعض من تولى هذا األمر ورفع املطالبة به مجموعة أرادت بفعلها تأليب الـرأي العام وشحن الشباب واملجتمع وخرجت في التسعينات في تجمعات وجاءت معها CNN لتصور الحدث إلثارة املجتمع، وهذا السبب هـو األهــم واألخــطــ­ر بالنسبة لــي، وقــد ظـلـوا كـل هــذه السنوات يتحركون، بعضهم كان يتحرك بناء على تعليمات منظمات أجنبية في تحد سافر للدولة وقراراتها ولــوزارة الداخلية وأوامـرهـا، فكانوا يبرزون في كل عام مرة أو مرتني وخاصة في وقت األزمات. لقد ظلت هــذه الفئة تتحدى وتستقوي بالغرب الــذي هـو اآلخــر أثار شكوكنا، فلقد احتلت هــذه القضية مكانة كبيرة لــدى األجــانــ­ب مما يجعلنا نرتاب في جدوى الفعل وبراء ته. لقد أحسسنا بعدائهم لنا حينما كانوا يثيرون قضية القيادة ويستفزون الناس في أوقـات األزمــات؛ وقت أزمة الخليج واجتياح الكويت أو في اشتداد مرض امللك فهد رحمه الله، أو في وقت التفجيرات والتعزيزات األمنية؛ فرأيناهم ينشطون للفت في عضد الدولة وإشغالها بقضية داخلية، وكل هذا كان يدفع املجتمع دومًا للمدافعة واملمانعة خوفًا مما يرمي إليه هــؤالء وغاياتهم التي ربما يدبرونها مع أعدائنا، فكانوا يوصمون املجتمع برفضه التغيير ويستشهدون دومًا برفض تعليم املـــرأة (رغــم أن هــذا األمــر تـعـرض للتزوير فبعض العلماء لــم يرفض تعليم املرأة، لقد رفضوا النموذج الذي خافوا أن يكون عليه تعليمها فطمأنتهم القيادة فوافقوا). إن قضية السيارة نالت من الزخم اإلعـامـي ما ال يتصوره عقل، ولم تـكـن مـجـرد ســيــارة، لـقـد تضخمت بسببهم هــم وتــأجــل الــقــرار بسبب تحديهم واستفزازهم، وصدقوني لو أن هذا األمر نوقش بشكل هادئ مـن فئات نعرف عنها أمانتها وإخاصها وحبها لنا وخوفها على املجتمع، وليس لها عاقة بالغرب واإلعام الغربي واملنظمات الغربية ولم تستقو بهم، لربما تغيرت املعادلة كثيرًا وربما أقر هذا األمر منذ سنوات وسنوات، لكنهم وبرعونتهم وسخافاتهم من عطل هذا القرار في كل سنة. ربما يكون لبعضهم رغبة في جعل هذه القضية قضية ساخنة على الـــدوام، وورقــة رابـحـة يستثيرون بها املجتمع ويـتـحـدون بها الدولة ربما، واملضحك أنهم اآلن ينسبون الفضل لكفاحهم املشؤوم، وما يدرون أن القرار كان سياديًا، وأن دولتنا ال تستجيب للتحدي واالستفزاز، وأن املجتمع قـد نضج بما يكفي الستقبال هــذا األمــر الــذي كــان سيحدث من غير مظاهرات وتحديات ومقاالت ومقابات ومطالبات، فبعض الــقــرار­ات أقـــرت فــي وقـتـهـا املـنـاسـب مــن غـيـر أن تـتـحـدث فيها وسائل اإلعام بحرف. ومما أعجبني في القرار ما يلي: -1 أن الدولة حكيمة اتخذت القرار بعد استشارة كبار العلماء، واتخذته في الوقت املناسب لها؛ بعد نجاح موسم الحج وبعد سفر املخالفني لنظام اإلقامة. -2 ألن الليبرالين­ي ليس لهم تحرك أو تجمع لفرض هـذا األمــر؛ وهذا هو أفضل ما حدث حتى ال يقال بأننا رضخنا لهم وخضعنا مرغمني ملطالبهم وذلـك لقوتهم ونفوذهم، بل لقد خسروا معركتهم التي أراد بعضهم من ورائها أهدافًا أخرى بعيدة كل البعد عن السيارة. -3 إغاق هذا امللف املزعج الذي مللنا منه ومن تكراره كل عام، وااللتفات لقضايا أهم. ٤- لـلـرد على مـن يصمنا بالتخلف والـتـشـدد مـن الـــدول األخـــرى، فهم ال يـرون مظاهر التكريم؛ فلقد جعلهم اإلعـام ال يركزون إال على هذه النقطة، فأينما رحلت فابد أن يسألك سائق سيارة األجرة (حرمة في السعودية ما فيه سوق سيارة؟ ممنوع من الحكومة، ليش؟ السواقة ما فيه شيء، والله حرمة سعودي مسكني!) -5 وأكثر ما أسعدني هو أن القرار جاء بعد موافقة هيئة كبار العلماء والــتــي ال تــأخــذهـ­ـا فــي الــحــق لــومــة الئـــم، والشـــك أنــهــا قـــدرت املصالح واملفاسد فتغير الحكم الـيـوم عـن األمــس بتغير الـحـال والــزمــا­ن... وال تثريب عليهم فاملسألة اجـتـهـادي­ـة واألصـــل فيها اإلبــاحــ­ة، ولـئـن كان تحريمهم لها سابقًا من باب (سد الذرائع) فإنها اليوم من باب (ما حرم سدًا للذريعة يباح عند الحاجة) ورجوح املصلحة على املفسدة. ثم إني أشك في كثرة النساء اللواتي سيقدن، ففي كل بلد من العالم ال تكاد تجد املرأة التي تقود سيارتها رغم السماح بذلك، والشك أن هذا سيحدث عندنا ربما بعد سنة من القرار، وأعتقد أنها ستستغني عن السيارة بالقطار أو بشركات التوصيل املريحة، فالقيادة تحتاج إلى تركيز وضغط عصبي ال قبل لها به، فسرعان ما ستمل وتترك سيارتها في مرآب البيت شهورًا طويلة ولن تستخدم سيارتها إال عند الضرورة وهذا مطلب، ويذهب اإلبهار ولن نجد إال من هي بحاجة بحق. إن كــل قـــرار قـوبـل بـجـدل ومــعــارك فـكـريـة انـتـهـى بـمـجـرد إقـــرار القرار، وصدقوني فإن ما تتوهمون من ضياع للفضيلة ومن فساد ستكتشفون مع الزمن أنه في أذهانكم فقط، والواقع ربما يفاجئكم بأن ليس ثمة ما تخافون منه أصا، خاصة مع وجود الضوابط والقوانني الصارمة، بل إنكم سترتاحون من عبء استقدام السائق وأجرته وكلفته، ومن املحرم وتوفره، وربما يأتي عليكم يوم تدعون لصاحب القرار. وقفنا الله ملا فيه خير لبادنا واستقرارها ونمائها وحمانا الله من كل شر وفتنة يريدها أعداؤنا.

 ??  ?? مشاعل العيسى
مشاعل العيسى

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia