حساب األرباح واخلسائر
أكــثــر مــن 0٤ عــامــًا مــن االرتــــــداد لـلـخـلـف بهدف اسـتـعـادة أمــجــاد األمـــة اإلسـامـيـة اسـتـفـاد منها فئة قليلة فـأثـرت على حـسـاب الـوطـن واملواطن وأصـبـح لها األتـبـاع واملــريــدون، ولـم تقدم أي شـيء يذكر غير تــراجــع كــل الــقــطــاعــات مــن صــحــة وتـعـلـيـم وإدارة واقتصاد، كنا خـال هـذه الحقبة نعيش على خيرات األرض من بترول ونختلف عن العالم الذي حولنا بخصوصية ادعيناها. لـ 0٤ عامًا كنا نحارب تعليم البنات ودخلنا في حروب عديدة، الحرب على الدش وقبله الحرب على من قال بصعود اإلنسان إلى القمر، كما شنت حرب ضروس على هاتف الكاميرا وحرب على الـريـاضـة والــــورود املــهــداة للمرضى، حـــروب عــديــدة في صغائر األمــور والتحريم سـدًا للذرائع بهدف ضبط املجتمع وجــعــلــه تــحــت ســيــطــرة فــئــة مــســتــفــيــدة مـــن تـــدنـــي الخدمات الضرورية للمجتمع وإهمال األخذ بأعمال القوة التي تلحقنا بالدول املتقدمة شرقًا وغربًا وجنوبًا وشماال، في هذه الحقبة كفرنا املخالف من أبناء الوطن من رافضة كما يقولون ومن صوفيني واألشاعرة، كما تمت محاربة النشيد الوطني واليوم الوطني، وتم تقسيم املجتمع وتعطيل نصف املجتمع، وباسم الفضيلة حـرمـت املـــرأة مـن حقوقها فلم تمنح بطاقة الهوية الوطنية حتى وقت قريب نسبيًا. في ظل هذه األوضاع فقدنا الريادة في املنطقة في كل املجاالت تقريبًا إداريـًا وتعليميًا وصحيًا وإعاميًا، وأصبحنا نعتمد عـلـى مــا يـخـرج مــن بـطـن األرض ولـيـس عـلـى عملنا وجهدنا وما تنتجه أيدينا، ووضعت كل املعوقات التي تمنع وتحرم وتجرم اإلبـداع من فن وموسيقى، وفي هذه الحقبة من الزمن تمت محاربة القوة الناعمة التي اضطرت أن تهاجر للخارج وتــعــمــل فــي الـــــدول املـــجـــاورة أو الــبــعــيــدة. وأصــبــحــت تجارة الدين رائجة واستخدمها األعــداء واملتربصون إلثــارة الفتنة واإلضرار بالسلم االجتماعي واألمن القومي، ووضعت برامج للخارجني على القانون بهدف نصحهم وإرشــادهــم بــدال من تطبيق القانون عليهم. في هذه الحقبة التي سرقوا فيها الزمن كما سرقوا الفرحة كان صوت هذا التيار عاليًا مدويًا يفرض شــروطــه ويــخــطــف عــقــول مــريــديــه وتــابــعــيــه، وكـــم مــن املآسي والــفــظــائــع ارتــكــبــت فــي ظــل ســكــوت وتــبــريــر فـئـة مــن املجتمع ألفعالهم، في حني أن آخرين أقفلوا عقولهم قبل عيونهم، فا صوت يعلو فوق أصوات وأقوال هذه الفئة املرتدة للخلف التي روجــت ونـشـرت الكراهية والعنصرية والعصبية والطائفية ومزقت النسيج االجتماعي بأطروحاتها وأدبياتها وألبستها لباس التدين. حساب الخسائر فــادح ويـكـاد يكون حساب األربـــاح مفقودًا، والخطير واألخطر أن من اعتنقوا هذا النهج أو اقتنعوا به ال يستطيعون وال يقدرون على تقييم مشروعهم الــذي فرضوه على املجتمع. نحن الـيـوم فـي حـاجـة مـاسـة إلعـــادة النظر في كــل مــا نـتـج ومـــا أفــرزتــه «الــصــحــوة» مــن أضــــرار ومـــن أنظمة تبنتها وعـمـلـت عـلـى تـكـريـرهـا مــن خــال شبكاتها املتشعبة في املجتمع، والتي ألبستها اللباس الديني من أجـل إسكات صــوت العقل والحكمة. مـن الــضــروري مناقشة هــذا املوضوع في وسائل اإلعام وعمل ندوات برعاية الدولة ملراجعة كل ما أفرزته الصحوة من مفردات وأدبيات وما ساهمت في تمريره مـن أنظمة وإجــــراءات مــازالــت سـاريـة ومــا أشغلت فيه الدولة واملجتمع من أمور شخصية وفردية. املــراجــعــة والــنــقــاش والـــحـــوار ضــــروري عـلـى كــل املستويات، ووزارة الثقافة يقع عليها وعلى وسائل اإلعام عبء كبير في هــذا الـشـأن؛ ألن فضح مخططاتهم وكشف وسائلهم وتعرية تاريخهم مـن األغطية التي ألبسوه إيـاهـا، وكـذلـك الجامعات مطلوب منها عمل دراسات مستفيضة في هذا الشأن؛ ألنه في ظل عدم عمل مراجعة شاملة ستكون هناك عقبات في طريق التنمية والــدولــة الحديثة الـتـي يــحــاول هـــؤالء الصحوية أن يختطفوها ويـعـيـقـوا تـقـدمـهـا لـيـحـافـظـوا عـلـى مكتسباتهم الشخصية ليثروا ويغتنوا على حساب الوطن ورفعته. الـخـطـر قــائــم فــمــازالــوا متربصني مـربـكـني لـكـل حـــراك لألمام يــحــاربــون تــطــويــر املــنــاهــج والـتـعـلـيـم ويــفــرضــون قناعاتهم وأفكارهم على املجتمع بإثارة اإلشاعات والنعرات واستخدام وسائل التواصل إلشغال املسؤول. مراجعة حساب األرباح والخسائر وكشفه للمجتمع وللجهات ذات العاقة مسؤولية الجميع من كتاب ومثقفني ورجال دين وجهات حكومية ومسؤولني ومراكز بحوث وجامعات وإعام؛ ألن تسليط األضواء يحرم املتسللني من التسلل في جنح الظام والـعـمـل فــي الــخــفــاء. ال خــوف عـلـى األمـــة وعــلــى ديـنـهـا وعلى كيانها إنما الـخـوف مـن أصـحـاب األجــنــدات املشبوهة والتي أثبت الـواقـع تــورط بعضهم فـي عـاقـات مـع كيانات خارجية تهدف وتسعى لإلضرار بالوطن، مستغلني التعاطف الديني والطائفي وحسن ظن البعض بهم. لقد استغلوا كل األزمات لفرض أجندتهم ولم يكونوا في يوم ما مع الوطن وإنما ضده، حزبيون مؤدلجون ال هم لهم غير مصالحهم الضيقة حتى لو كانت على حساب الوطن وأمنه وسامته.
* مستشار قانوني