Okaz

األفراح ال تأتي فرادى

-

مساء الـثـاثـاء املـاضـي رن هاتفي الخلوي وأنــا على قـارعـة طريق أمارس فيه رياضة املشي، نظرت إلى شاشة املوبايل فكانت زوجتي هي من تتصل، فـرددت عليها: «نعم حبيبتي.. هل سمعت األخـبـار؟!.. ال، خير إيش صار؟!.. امللك سلمان سمح لنا بالقيادة.. أكيد خبر مفبرك.. ال والله، أذاعوه في التلفزيون.. أوكي اآلن أتابع الخبر، مع السامة».. ثم فتحت متصفح اإلنترنت ووجدت الخبر على موقع وكالة األنباء السعودية وقد مضى عليه ٤1 دقيقة، توقفت فجأة وأنا في حالة من الذهول شعرت خالها بــأن قـدمـي تسمرتا فـي الـطـريـق، إذ شــرد ذهني مني لوهلة ثـم تهللت أساريري فرحًا وغبطة، وكانت بدواخلي فرحة هيستيرية وألم بارح أشبه باملقولة الشهيرة للروائية الراحلة أناييس نني «إن سر الفرح هو براعة األلم». أكـمـلـت املــشــي عـلـى ذلـــك الــطــريـ­ـق وأنـــا أتــأمــل الـخـبـر والــحــدث الــتــاري­ــخــي، وكـــان أول ما اسـتـحـضـر­تـه فــي ذهــنــي هــو مـقـولـة ولــي الـعـهـد األمــيــر محمد بــن سـلـمـان خــال املقابلة الصحفية التي أجراها مع صحيفة الواشنطن بوست في أبريل املاضي «نحن لن نستمر في العيش في حقبة ما بعد عام ،»1979 فتلك املقولة أبكتني حينها بحرقة؛ ألننا انتظرنا 30 عامًا من أعمارنا حتى ينقشع عنا جاثوم تلك الحقبة القابعة على صدورنا. لقد بكيت ألنني من أبناء جيل السبعينات، الجيل الـذي قال عنه الكاتب الجميل محمد الـسـاعـد كـلـمـات حــق لـهـا أن تكتب بــمــداد مــن ذهــب فــي مـقـالـة نـشـرت فــي هــذه الصحيفة بتاريخ 6 مارس املاضي بعنوان «عن جيل السبعينات أحدثكم»، وال تزال أصداؤها في داخلي، حيث وصف فيها الكاتب حجم معاناة جيلي الذي شهد تقلبات تاريخية عجيبة ومتضادة في أغلبها؛ إذ قال الساعد إن جيل الذين ولدوا في السبعينات كان شاهدا على حروب وصراعات لم يتوجب أن يكون طرفا فيها، إال أن األميني أغرقوه فيها من أفغانستان للشيشان وللبوسنة حتى مـنـدنـاو، وعــاش أبـنـاء ذلــك الجيل الفقر والـطـفـرة واالنفتاح واالنغاق، وشاهدوا من سبقوهم ببضع سنوات وقد التحقوا بالبعثات الدراسية الخارجية وعندما جاء دورهم توقف االبتعاث فجأة ثم شاهدوا األجيال التي تلتهم تبتعث بعشرات اآلالف إلى عواصم الدنيا، والجيل الذي سبقهم شهد السينما واملسرح وحفات الطرب، أما جيلهم فقد وجد نفسه نتيجة تسلط الصحوة وحيدا يعيش حياة متصحرة قاحلة، فما إن قضي على جهيمان، حتى غزا الحركيون حياته واختطفوها، أرعبوهم من التصوير والتلفزيون واملعازف، فأحرقوا صورهم وذاكرتهم واختلفوا مع أهاليهم، وما إن كبر ذلك الجيل حتى رأوا تناقضات من حذروهم الذين أصبحوا يتزينون للتصوير بالسيلفي والظهور على الفضائيات ويكتبون كلمات الشيات املعزوفة باألوتار، فظل الكثير منهم حائرين وتائهني، منهم من تشوه ومنهم من تطرف ومنهم من سلمه الله.. كان هذا جزءا يسيرا مما كتبه محمد الساعد في ذلك املقال. نعود إلى موضوعنا، وقد قلت لكم إنني كنت أمارس رياضة املشي حني زفت إلي زوجتي الخبر املفرح بالسماح للمرأة بالقيادة، وعدت بعدها إلى منزلي ملشاهدة ردود الفعل في وسائل التواصل االجتماعي، فوجدت العجب العجاب، فـإذا بأولئك الغاة املشهود لهم بالتطرف الفكري املتأزم واملتسلط على املجتمع عامة واملرأة خاصة، وبعد أن ظلوا ردحا من الزمن يقدحون في كل من يخالفهم بأقذع الشتائم واألوصــاف والتصنيفات، فجأة انقلبوا على أنفسهم، فالحرام في نظرهم أصبح حاال واملكروه غدا مستحبًا. لقد شاهدتهم يخرجون تركي الحمد والقصيمي والقصيبي املختبئني بداخلهم، وال أعلم ما إذا كان تحول أولئك املتشددين املفاجئ مبعثًا للتفاؤل أم للتساؤل، وهل كان تغيرًا أم تلونًا، فقد وصل بهم األمر ذات مرة ألن يهللوا ويكبروا ألحد املتفيقهني وهو يستشهد بدراسة علمية مختلقة من دهاليز الدروشة ووحي خياالتهم بأن قيادة املرأة تؤثر على املبايض مما تسبب في جعل املرأة الغربية بالكاد تنجب طفلني أو ثاثة، لم أستوعب كيف أصبح هـؤالء عقانيني فجأة، وهم أنفسهم من كانوا يتوارثون ويتناسلون ذات األفكار املتشددة ويستميتون ملنع املــرأة حتى من حقها في التعليم، لينطبق علينا بيت أحمد شوقي «وإذا النساء نشأن في أمية... رضع الرجال جهالة وخموال». ال علينا.. فقد فرحت وطربت عند سماع ذلـك القرار التاريخي؛ ليس ألن املــرأة ستتمكن من حقوقها املشروعة فقط، بل ألننا نعيش مرحلة فعلية ومتقدمة من اإلصاح املنشود، وســتــكــ­ون لـــه انــعــكــ­اســات إيــجــابـ­ـيــة كــثــيــر­ة عــلــى جـمـيـع األصـــعــ­ـدة ســيــاســ­يــًا واقتصاديًا واجتماعيًا، وهو مقدمة عريضة لسلسلة متتالية من القرارات املتوقعة التي كانت مجرد أحام ولكن سيصبح تحقيقها ممكنًا ووشيكًا. ويجدر القول إن العالم املتقدم واملتحضر سيقف ويصفق لنا احترامًا وتقديرًا كما فعل مندوبو األمم املتحدة أثناء إعان عبدالله املعلمي الخبر في القاعة األممية بعد لحظات من صدور األمر امللكي، وحتى وإن أساءت إلينا إحدى الصحف الغربية بعنوانها الساخر «السعودية تدخل القرن الواحد والعشرين»، فخير أن نصل متأخرًا من أن ال نصل أبدًا.

 ?? ktashkandi@okaz.com.sa @khalid_tashkndi ?? خالد عباس طاشكندي
ktashkandi@okaz.com.sa @khalid_tashkndi خالد عباس طاشكندي

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia