املسؤول األول عن االضطراب الدامي باملنطقة..!
بكل املقاييس واملعايير العلمية السياسية، التي «تقيس» مدى االستقرار السياسي في أي بلد، ومدى صالحيته لالستمرار والتطور واالزدهــار، وجد أن معظم املنطقة العربية، والتي يشار إليها عامليا بـ «الشرق األوسط» هي اآلن، وفي الوقت الحاضر، أكثر مناطق العالم اضطرابا وعدم استقرار، وبعض شعوبها هي األكثر معاناة من نتائج وتداعيات هذا االضطراب، والتي يأتي في مقدمتها: الخالفات، والصراعات، والحروب، والتي - بدورها - تشكل البيئة الحاضنة للجهل والفقر واملــــرض، ولــإرهــاب أيــضــا. هـنـاك مـثـل عـربـي يـقـول «إذا طاحت البقرة، تكثر السكاكني»، كناية عن وجود تداعيات مدمرة نتيجة سقوط الشيء، أو فشله. وعندما تقع بلد فريسة لعدم االستقرار، ثم تسقط، يكثر من يسارع لتقطيعها إربا. ومــعــروف أنــه تنتشر اآلن امليليشيات اإلرهــابــيــة اإلجــرامــيــة في البالد املضطربة باملنطقة، وتحديدا تلك التي كانت تحت سيطرة ديكتاتوريات قمعية... تعتبر، من قبل خبراء السياسة العامليني املحايدين، هي أهم أسباب ما آلت إليه األمـور في هذه الـدول من اضطراب وعدم استقرار ودمار وخراب. فلوال تلك الديكتاتوريات ملــا أصـبـحـت هــذه الــبــالد الحـقـا نهبا للقالقل واملــحــن، وكــل هذه الفنت. ويستغرب من يتباكى على تلك األنظمة، معتقدا أن عودتها ستضمن عودة «األمن»...؟! إنه الجهل السياسي املركب. تعالوا، إذًا، نعرف رأي أولئك الخبراء، ولم يعتقدون ذلك ؟!
**** تعتبر الجرائم السياسية أفظع وأبشع أنواع الجرائم على اإلطالق.. ألنها غالبا ما تلحق أذى بآالف، أو ماليني من الناس، وال يقتصر ضررها على فرد أو أفراد، حال الجرائم العادية. وبالتالي، تعتبر الخطايا السياسية أشنع وأفدح أنواع الخطايا.. ألنها تنزل - في الغالب - أضـرارا فادحة على آالف، أو ماليني من البشر، ولفترات قد تمتد لعقود، وربما لقرون عدة.
ويــرتــكــب أغــلــب رؤســـــاء الــجــمــهــوريــات الــديــكــتــاتــوريــة العربية الكثير من األخـطـاء والجرائم والخطايا في حق شعوبهم، وفي حــق أمــتــهــم. ويــمــكــن الـــقـــول: إن أغــلــب أقـــــوال وأفـــعـــال هــــؤالء هي عـبـارة عــن: أخـطـاء وخـطـايـا، يرتكبونها بــ «دم بــــارد»... باعتبار استيالئهم على السلطة، وحكمهم بما يخدم مصالحهم الخاصة، ورغبتهم الجامحة في االحتفاظ بالسلطة ملا ال نهاية. وبالتالي، عملهم الــدؤوب املتواصل لقمع وإسكات أي رفــض، أو معارضة، لتسلطهم. يــقــول الــخــبــراء: إن أفـــدح وأخــطــر أربـــع خـطـايـا يـرتـكـبـهـا هؤالء «الرؤساء» ضد شعوبهم وأمتهم، هي الخطايا املتتالية، التالية: - الــخــطــيــئــة األولـــــــى: االســـتـــيـــالء عــلــى ســلــطــة الـــرئـــاســـة بالطرق امللتوية، واألساليب غير املشرعة.. كاالنقالب واملؤامرات، وتزييف «االنتخابات».. وهي خطيئة كبرى وشنيعة، ألنها تمهد لحصول الخطايا الثالث التالية، وألنها تغتصب حق الشعب في اختيار رئيسه، وتولى هذا املنصب رغما عن إرادة وموافقة غالبية الشعب املـعـنـي. ومــن ثــم الـحـكـم بـمـا يــخــدم املـصـالـح الـخـاصـة للمتسلط وأعوانه.. واإلضرار باملصلحة العامة للبلد الضحية. فاملتسلط ال تهمه سوى استدامة تسلطه، وخدمة مصالحه أوال وأخيرا.
*** - الخطيئة الثانية: فرض صعوبة ودموية إزالة الرئيس الديكتاتور الذي غالبا ما ال يقبل الرحيل، بعد انتهاء فترته «الدستورية»، بل ويعمل على البقاء بالسلطة لألبد، أو ألطول فترة ممكنة.. حتى أن معظم «الرؤساء» العرب أصبحوا يعملون على «توريث» املنصب.
وفــــي ســبــيــل «اســــتــــدامــــة» الــتــســلــط، يــعــمــل الـــنـــظـــام الجمهوري الديكتاتوري كـل مـا بوسعه تحقيق هــذه الـغـايـة. فيسخر موارد وإمــكــانــات ومـــقـــدرات الــبــلــد لــخــدمــة هـــذا الـــهـــدف. وال يــتــورع عن اســتــخــدام كــل وســائــل الـقـمـع واإلرهــــاب املمكنة لتكريس تسلطه، واسـتـعـبـاد شعبه ملــا ال نـهـايـة. وهـــذا مــا يجعل أمــر إزاحـــة هؤالء بــاهــظ الـتـكـلـفـة، وتـتـطـلـب الـكـثـيـر مــن سـفـك الــدمــاء والــتــدمــيــر. إن رؤساء الجمهوريات املستبدة يعملون، بمجرد االنتهاء من ارتكاب الخطيئة األولى، إلى ارتكاب الخطيئة الثانية.. األمر الذي يعني أن تولي هـؤالء للسلطة هو بمثابة كارثة، واستمرارهم فيها كارثة، وإزاحتهم عنها كارثة أيضا.. تلحق بالشعب الضحية.
*** - الخطيئة الثالثة: إن تحمل أي شعب الستيالء الرئيس الديكتاتور على السلطة فيه، وتجرع مرارة استمراره، وتكبد خسائر وجوده، ال يمكن أن يستمر لألبد. فغالبا ما يضطر الشعب لالنتفاض - متى واتته الفرصة، بعد سنوات، أو عقود- والثورة، وتجشم الصعاب، واخــتــراق املـتـاريـس، ودفــع ثمن باهظ مـن النفوس واملـــال، بهدف التخلص من ذلك املستبد، وإنهاء تسلطه. فإن أزيح الرئيس، فإن على الشعب أن يواجه «الخطيئة الرابعة» بالغة الصعوبة أيضا. - الخطيئة الــرابــعــة: إن تــجــاوز الشعب الخطايا الــثــالث األولى، فــإن عليه أن يــواجــه الخطيئة الــرابــعــة، ويتغلب عليها أيضا... حتى ينهي آثار ذلك الكابوس، ويبدأ في ممارسة العيش الكريم، والحياة الطبيعية. ومواجهة هــذه الخطيئة/ الصعوبة تعني: إنـهـاء النظام الـرئـاسـي الـديـكـتـاتـوري، وإقــامــة الـوضـع السياسي البديل. فغالبا مـا يختصر الرئيس املستبد الـدولـة فـي شخصه ونظامه، فيمنع قيام أي نوع من املؤسسات السياسية التي يمكن أن تضمن سير الحياة العامة بشكل منهجي، بصرف النظر عمن هم أشخاص السلطة العليا. حيث إن الرئيس الطاغية غالبا ما يرسي قـاعـدة «أنــا ومــن بعدي الــطــوفــان».. وبحيث يجعل تكلفة إزاحته كأعلى ما تكون. وال يمكن ألي شعب مواجهة هــذه الخطيئة والتغلب عليها إال إن تــوفــرت لــه قــيــادة مؤقتة حكيمة، وتـهـيـأت لــه ظــروف (داخلية وخــارجــيــة) تــحــول دون وقـــوع ذلـــك الـبـلـد فــي دوامــــة االضطراب والــحــروب وعـــدم االســتــقــرار. وبــاخــتــصــار، فــإن سـبـب وجـــود هذه الكوارث هو خطايا الرئيس الديكتاتور... الـذي ال تنتهي شروره -عـــــــادة- بــرحــيــلــه. لـــذلـــك، هـــو أول مـــن يــتــحــمــل - دون شـــك - وزر ومسؤولية كل هذه العقبات (الخطايا)، وكل تبعاتها.. ألنه هو - ونظامه - من ارتكبها، وتسبب في حدوثها ابتداء، في حق شعبه وأمــتــه. وكــان يمكن لـذلـك الديكتاتور (صـــدام حسني وأمـثـالـه) أن يدخل تاريخ بالده من أوسع وأشرف أبوابه، ويوصف بـ «املصلح»، لــو عـمـل عـلـى إقــامــة واسـتـتـبـاب نـظـام تمثيلي حقيقي، وبـــدأ هو بااللتزام بشروطه.