من يتحدث باسم احلكومة؟
يروي وزير اإلعالم الراحل الدكتور محمد عبده يماني ـ رحمه الله ـ عن ذكرياته حينما عني في منصبه الوزاري عام ـه1395 وحضر أول اجتماع ملجلس الوزراء، أنه فوجئ بمجموعة من الصحافيني يحاصرونه بعد االجتماع ملعرفة ما ناقشه املجلس الذي كان برئاسة جاللة امللك خالد يرحمه الله، وألنه لم يكن لديه تعليمات مسبقة بهذا الخصوص فقد أدلى بتصريح شامل لكل مناقشات املجلس مفتتحًا بذلك عهدًا جديدًا في عالقة الدولة بـاإلعـالم، فقبل هـذه الجلسة التاريخية كانت أخبار املجلس تقتصر على عبارة «ناقش املجلس املوضوعات املدرجة على جدول أعماله»، وعلى الرغم من حجم املفاجأة واللوم الذي تلقاه من زمالئه ومن بعض املسؤولني فإن الوزير الراحل أكد أن هذا العمل لقي قبوال من القيادة وأصبح عرفًا مستمرًا حتى يومنا هذا أن ينتظر املواطنون في كل أسبوع تفاصيل تطول أو تقصر عن مناقشات وقـرارات مجلس الــوزراء، وأصبح هذا البيان محركًا رئيسًا للحراك االقتصادي خاصة وأن البالد منذ ذلك الحني تعيش زخمًا تنمويًا هائال. نعرف في نظريات االتصال أن الجمهور الداخلي يتفوق في األهمية على الجمهور الخارجي حني تصميم الخطط االتصالية للمنظمة، أي منظمة من شركة صغيرة إلـى دولــة، ذلـك أن تنفيذ خطط واستراتيجيات البناء والتنمية تحتاج ملساندة الجمهور الداخلي الذي يجب أن يكون مقتنعًا بها ليكون قادرًا على الدفاع عنها وحسن تنفيذها، والسر يكمن في الشفافية وانتظام توصيل املعلومات ووضوح الرسائل التي تشرح الرؤى واألهداف ومراحل التنفيذ، واستقبال الرسائل الراجعة وتحليلها والتجاوب معها بطريقة إيجابية. ونحن نبدأ خـطـوات التحول الكبير الــذي حملته رؤيــة اململكة 2030 ال أستطيع الـقـول إن الرسائل وصلت بالدرجة التي تتطلبها هذه املرحلة. وثيقة الرؤية بذاتها أدركت جيدًا أهمية توصيل الرسائل فجعلت من الشفافية عنوانًا رئيسًا من عناوينها، ذلك أن التغيير الكبير في هيكل االقتصاد وفي أسلوب أداء ودور القطاع الحكومي وأسلوب أداء ودور القطاع الخاص يتطلب أن يكون جميع الفاعلني الحاليني واملستقبليني على درايــة كافية بما هو مطلوب منهم. وفي الوقت الذي برز فيه متحدث وحيد قادر ومتمكن هو سمو ولي العهد األمير محمد بن سلمان، فإن األداء اإلعالمي ملعظم الوزراء وقادة القطاعات كان أقل بكثير من املطلوب. فقد كان الظهور اإلعالمي لسمو ولي العهد في كل املرات التي تحدث فيها موفقًا بدرجة عالية، كان يتحدث بثقة وتمكن من املوضوع متسلحًا باألرقام والشواهد ورسائله واضحة، ولم يتردد في اإلجابة عن أي سؤال طرح عليه. وسمو ولي العهد قاد بنفسه عملية اتصالية متطورة في عرف خبراء اإلعالم والعالقات العامة حينما التقى مجموعات متنوعة من الصحافيني والكتاب، وحاورهم لساعات طوال موضحًا لهم الكثير مما خفي عنهم عن الرؤية وبرامج التحول الوطني، وحسب ما نقل لي ممن حضروا بعض هذه اللقاء ات فقد كان يشجعهم على طرح أصعب األسئلة التي دارت في أذهانهم. هذا النموذج هو الذي يجب أن يتكرر في كل وزارة وقطاع حكومي ممن يحملون مسؤولية تنفيذ برامج التحول الوطني، والــوزراء والقادة في هذه القطاعات ممن ال يملكون موهبة الوقوف والتحدث أمام الصحافة يمكنهم الحصول على دورات تدريبية في هذا املجال وهي متاحة، كما أنهم يجب أن يفعلوا حقيقة دور املتحدث الرسمي في إداراتهم، ال أن يكون دورًا شكليًا، بينما أعـرف أن كثيرًا من هـؤالء هم إما غير مؤهلني للقيام بهذا الـدور أو أنهم غير ممكنني بالحصول على املعلومات من مركز صناعة القرار. والشواهد التي عايشناها في قطاعي التعليم واإلسـكـان وفـي مجلس الـشـورى على سبيل املــثــال، مـن تخبط فـي توصيل الـرسـالـة اإلعـالمـيـة تـدلـل بـوضـوح على مـا نـقـول، فالجمهور املستهدف تحول من مساند إلى مقاوم، ربما ليس للرؤية وبرامجها بقدر ما هو للقائمني على تنفيذ هذه البرامج. ولذا فإن املسألة تتعدى تعيني متحدث رسمي للمؤسسة إلى أن يعمل هذا املتحدث وفق خطة اتصالية استراتيجية، تحدد األهداف والجمهور والرسائل ووسائل إيصالها بشكل واضح ال لبس فيه، وأن يكون الخطاب وديــًا محفزًا على القبول والتفاعل اإليجابي مـع األهداف االستراتيجية لـبـرامـج الـتـحـول الـوطـنـي ورؤيـــة ،2030 وبـهـذا يمكن تقليل درجــة املقاومة وتحويلها إلى مساندة. وال بد هنا من اإلشارة إلى النماذج اإليجابية الناجحة في هذ املجال، بدءًا من العقيد (حينها) أحمد الربيعان في حرب تحرير الكويت، ومرورًا باللواء منصور التركي في وزارة الداخلية، ووصوال إلى اللواء أحمد العسيري في بدء علميات «عاصفة الحزم»، ولعل الجهات املدنية تتعلم من نجاح العسكريني. وبالعودة إلى مجلس الوزراء فإن املرحلة تتطلب االنتقال إلى خطوة أكثر تقدمًا في التواصل بني قيادة السلطة التنفيذية والجمهور، بحيث يتحول البيان املكتوب الــذي تنقله وكالة األنباء السعودية على لسان وزير الثقافة واإلعالم إلى مؤتمر صحفي أسبوعي يعقده الوزير بصفته متحدثًا باسم الحكومة لينقل القرارات ويشرحها، ولعلنا حينها ال نحتاج ألن نسمع مواقف الدولة من «مصدر مسؤول».