استعدوا من اآلن
قـبـل مــا يــزيــد عـلـى خـمـسـني عــامــًا كـــان عـــدد الــحــجــاج الــقــادمــني من الـخـارج ال يتجاوز ثالثمائة ألـف حــاج، وملـا وافــق الـوقـوف بعرفات «يوم جمعة» حيث توجد روايات بأن حجة يوم الجمعة تساوي أجر سبعني حجة، تضاعف العدد في ذلك العام حتى جعلت إحدى الصحف املحلية، ولعلها جريدة البالد، العنوان الرئيسي لصفحتها األولى هو: الحج حجان! ألن أعداد الحجاج زادت على خمسمائة ألف حاج، أي ربع العدد الحالي. وعلى الرغم من قلة أعداد ضيوف الرحمن في تلك األعوام فقد كان دخول حافالت التصعيد يستغرق عشر سـاعـات لقطع ثـالثـة كـيـالت نـظـرًا لـعـدم وجــود شوارع وارتـكـاز خطة التصعيد على «نقطة محمود» من حي جــرول، ومحمود هـذا له قصة أخرى ال يتسع املجال لذكرها. وألن جهات االختصاص توقعت في حينه زيادة أعداد الحجاج إلى عدة أضعاف، فقد بدأ االستعداد مبكرًا بفتح مزيد من الطرق والشوارع وشق األنفاق في جبال أم القرى، فأصبح دخول الحافالت ال يستغرق أكثر من ساعة وربما نصف ساعة لكي تصل إلى مقار الحجاج مساء وصباح التصعيد إلى منى لقضاء يوم التروية، ولنا أن نتخيل كم سيكون الوقت الالزم لوصول الحافالت إلى مساكن الحجاج لو لم تنفذ مشاريع األنفاق والشوارع الجديدة ما دام أن ربع أعداد الحافالت في ذلك الزمان كان وصولها يحتاج لعشر ساعات؟ هــذه املـقـدمـة أراهـــا ضــروريــة ومهمة جــدًا لـدحـض حـجـج مـن يــرون أنــه ليس في اإلمكان أبدع مما كان، السيما أن رؤيتهم ال تساير النظرة الطموحة «للرؤية» التي تخطط لرفع أعداد املعتمرين إلى مليونني وخمسمائة ألف معتمر شهريًا وعدد الحجاج إلى خمسة ماليني ليصبح مجموعهم ثالثني مليونا سنويًا. ولذلك فإن تنفيذ رؤية »2030« يحتاج أن نستعد من اآلن لجعل أم القرى قادرة على استقبال األعداد املستهدفة من الحجاج واملعتمرين وذلك بتبني ما يلي: أوال: البدء في بناء كامل مسطح منى وليس جباله فقط ليستوعب براحة تامة خمسة ماليني حاج بحيث يسلم املشعر للمستثمرين «تدريجيًا» لبنائه واستثماره ملدة يتفق عليها ثم تعاد املباني مصانة إلى الدولة، ويوجد قرار من هيئة كبار العلماء يجيز البناء، وقرار صادر من مجلس الوزراء. ثانيًا: مضاعفة السعة االستيعابية ملشعر عرفات، فإذا كان املشعر يتسع في الوقت الحالي لوقوف ثالثة ماليني حاج فال بد من دراسة جعله يستوعب ستة ماليني حاج وهو أمر سهل تصوره هندسيًا من قبل أصحاب الفطنة من املهندسني. ثالثًا: االنتهاء من عمل شبكة متطورة للنقل الجماعي تربط جميع أنحاء العاصمة املـقـدسـة بعضها بـبـعـض، مــن مـتـرو أنــفــاق وحــافــالت وســيــارات أجـــرة وقطارات كهربائية، وفق ما هو موجود في املـدن الكبرى في العالم املتحضر التي نراها ونستخدمها في سياحتنا ونبدي اإلعجاب بها ثم ال نـنفذ مثلها في بالدنا! رابعًا: توسعة طاقة شبكة الكهرباء وإنشاء مزيد من محطات تحلية املياه لخدمة عشرات املاليني من الحجاج واملعتمرين. خامسًا: إنشاء املزيد من األبراج السكنية واألسواق السياحية واملطاعم والخدمات األخرى املساندة ودعم القدرات األمنية واملروية واستخدام الوسائل الحديثة في املراقبة واملتابعة لضمان تنفيذ الخطط املعدة لخدمة ضيوف الرحمن.. وبالله التوفيق.