Okaz

املؤمتر الشعبي واحلوثيون

-

لـم أكــن يـومـا مـن املنتمني للمؤتمر الشعبي الـعـام وال غـيـره مـن التنظيمات السياسية، ولم يكن ذلك رفضا للعمل الحزبي العلني وال تعاليا عليه، ولكني كنت وما زلت مقتنعا أن الوعي الشعبي ليس مستعدا للتعامل معه، إذ يدرك أن القيادات القائمة تستغله ألغراض شخصية بعيدة كل البعد عن مطالب الناس واحتياجاته­م، وال يعكس الواقع املعاش البائس، وتحول إلى ما يشبه العمل البيروقراط­ي فا ينشط إال في مواسم االنتخابات املتقطعة، وأضحى يسير في اتجاه السعي للحصول على وظائف ملنتسبيه وغنائم تتوزعها قياداته العتيقة. التمعن فـي أغلب الكيانات الـحـاضـرة حاليا يبرهن أن األحـــزاب األكـثـر حـضـورا فـي املشهد تعكس في منشوراتها الحزبية نظريات غير يمنية تتراوح بني مؤمنة باالشتراكي­ة (روسية وصينية) والبعثية (سورية وعراقية) والناصرية (مصرية وقذافية) وإخوان مسلمني، وظلت قياداتها غير قادرة على توطني الفكر القادم من الخارج بسبب الكسل الذهني الذي نتج عنه عدم القدرة على االبتكار، ولم يكن في امليدان حزب حاول الزعم بأنه يحمل فكرا يمنيا خالصا إال املؤتمر الشعبي، معتبرا أنه وليد حوار وطني نتج عنه ما يعرف بـ(امليثاق الوطني) وهو خليط من أفكار األحزاب الكبرى دون أن يكون فكرا سياسيا يمنيا مستقا، وضم في صفوفه جميع الـتـيـارا­ت السياسية النشطة إعـامـيـا، وبـقـي محتكرا للعمل السياسي إلــى 22 مايو 1990 حني انفصلت عنه األحزاب املعروفة وبقيت صفوفه حكرا ملن ظل معلنا اإليمان بوثيقة تأسيسه وكذا كل من أراد وظيفة عامة في املواقع العليا للدولة، وصار وسيلة مثلى للتسلق السريع فـي الـهـرم اإلداري حتى لغير الـذيـن ينتمون إليه فـكـرا، وكــان مظلة لكل مـن أفسدوا الحياة السياسية والعمل الحكومي. مع مرور الوقت ترهل املؤتمر الشعبي العام ولم يعد قادرا على التواصل مع الناس إال عبر الوظيفة العامة واملال العام والعاقات االجتماعية واملناطقية، وتركز نشاطه في الدائرة املالية على وجه الخصوص، وأصبح الرئيس السابق علي عبدالله صالح هو قطب الرحى فيه يديره مباشرة أو عبر الذين بقوا إلى جواره منذ تسلمه الحكم في يوليو ،1978 ثم مستعينا بالذين فـروا من أحزابهم التي نشأوا فيها ثم انقلبوا عليها بحثا عن الوجاهة واملــال واالستمتاع بــدفء السلطة ومتعتها، فتسارعت شيخوخته وبلغ حد االكتفاء بنفوذ الحاكم وقوته في املجتمع. لم يبلغ املؤتمر الشعبي الحد الذي يجعله قادرا على الحياة الطبيعية خارج حاضنة الرئيس وسيطرته، ولم تكن قوته في املجتمع ذات دفع ذاتي بل بوجود صالح رغم كل محاوالت شقه بعد مارس 2016 والتي بذلت من أجله جهود وأموال كثيرة، وأجزم أن غيابه (صالح) سيحيله إلى كائن ال يضر وال ينفع رغم مظاهر القدرة على الحشد الجماهيري التي ال أراها إال رد فعل على ما يرتكبه (الحوثيون) من تجريف مستمر لكل من ال يسير على نهجهم وكل من يقاوم بدائية فكرهم السياسي وجهلهم املفرط في شؤون إدارة الدولة لنقص في التجربة وحرصهم على نفي اآلخر املختلف منهجا، وتركيزهم على اإلمساك بكل مفاصل الحكم ظنا منهم أنها ستحميهم من نقمة الناس وغضبهم، ولعدم تمييزهم بني التمسك بالدولة واإلصــرار على إعــاء املـذهـب، فعمدوا إلـى إقصاء الكل وتثبيت كل من ينتمي إليهم مناطقيا وساليا مع التركيز على املرتبطني بهم أسريا، إذ يتصورون أنهم األحق واألكفأ واألقدر على إدارة الشأن العام تحت مظلة ما يسمونه بـ(املسيرة القرآنية) وادعاء الحرص على الوطن وحمايته. إن الـسـاحـة السياسية اليمنية صــارت فـضـاء خاليا ال يتحرك فيها شـمـاال إال (الحوثيون) ومقاومة خجولة من املؤتمر الشعبي العام في الـداخـل الــذي انتزعت أنيابه وصــار يعيش أحلك أيامه ولم يعد لرموزه التي خرجت من اليمن أي تأثير داخلي لغيابهم الطويل وترهلهم الذهني وانغماسهم في البحث عن وظائف ألسرهم وأقاربهم كما كانوا في الداخل فابتعدوا عن الفعل اإليجابي الواجب وصـارت أغلب مهامهم مقتصرة على تأمني مستقبلهم الذاتي، متناسني أن العمل الوطني ال يتحقق باملراسلة والبيانات والظهور اإلعامي وإنما بالتواجد إلى جوار قواعد حزبهم، كما أن الحديث بوجود مؤتمر في الداخل وآخر يعيش في الخارج ليس أكثر من لهث وراء االحتماء بالسلطة واستغالها، كأنما األمر فرصة أخيرة للتكسب.

 ??  ?? مصطفى النعمان كاتب يمني وسفير سابق mustapha.noman@ gmail.com
مصطفى النعمان كاتب يمني وسفير سابق mustapha.noman@ gmail.com

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia