Okaz

أزمة اخلطاب التنويري!

-

ربما لـم ولــن يمر على الخطاب التنويري أزمــة أشــد مـن األزمة التي يعيشها في هذه األيام؛ فقد وجد نفسه بال خصوم، والكل يتفق على نفس املطالب التي كان يطالب بها من سنني، بل إنها أصبحت واقـعـا أقــره السياسي، وألن التيار التنويري لـم يكن متفائال فقد صدم بهذه التغييرات أكثر من صدمة التيارات الظالمية املتشددة، ولم يكن مستعدا فوجد السياسي متقدما على تفكيره، فدخل في أزمة فقدان هوية ولم يعد لديه خطاب تقدمي، ودخل في حالة احتفالية مستحقة ولكنها طالت، وأصبحت حفلة للتندر باملتشددين، ولكن السؤال الجوهري: ماذا بعد؟ إن ما يعانيه التيار التنويري اليوم أشـد مما يعانيه التيار الظالمي؛ ألنه فقد مقوم التطور الرئيسي أو الديالكتيك الهيغلي (جدل التطور) حني فقد نقيضه الذي كان يساعده على تقدمه والترقي من حيث حوار املتناقضات، وإذا سلمنا بـــأن الــتــطــ­ور كـمـا أفـهـمـه لـــدى هـيـغـل -جـــدل الــفــكــ­رة ونقيضها للوصول للفكرة املطلقة- ولكن بعد أن تالشى النقيض وأصبح لدينا فكرة واحدة حتى لو كانت صحيحة فإنها يجب أن تلد نقيضها لتتقدم وتترقى، لقد دخل التيار في أزمة تساؤالت وجودية وبدأ يسأل نفسه: من نحن؟ وماذا نريد؟ ونحن موجودون ملاذا؟ لعل نقطة ضعف الـتـيـار الـتـنـويـ­ري أنــه كــان نقيضا لفكر متشدد سخيف، وقضاياه تدور في محور الحقوق الفردية املحضة، وهذا ال يعني أن التيار التنويري لم يخض معركة تنويرية مفصلية وكان لزاما عليه أن يخوضها لـتـحـريـر الــفــرد مــن سـلـطـة أفــــراد مــتــشــد­ديــن، ولـكـنـهـا كــانــت حـــرب استنزاف استهلكت قــدرات التنويريني وطموحاتهم وهويتهم وخفضت تطلعاتهم للحد األدنى، وكأنك ترى حربا في عصور الظالم األوروبية، ولعله من سوء الحظ أن تكون تنويريا فـي العالم العربي، فأنت كمن يريد أن يقنع رجال بدائيا بركوب الطائرة وهو لم يقتنع بانتعال الحذاء بعد! أصبح السؤال امللح اآلن للتنويريني ماذا بعد؟ هل هو الوعي الفكري واملعرفي؟ هل هو الوعي الفلسفي؟ هل لدى التنويريني القدرة على خوض غمار التنوير الفلسفي واملعرفي؟ هل الحديث عن العلمانية والليبرالي­ة وإعادة نشر املفهوم وفلسفته بالشكل الصحيح كما حدث في أروقة الصحافة وهاشتاقات تويتر، نقاش عن العلمانية وشـارك به مجموعة من املثقفني والكتاب ومستخدمي وسائل التواصل االجتماعي هل تشكل إرهاصات خطاب تنويري جديد؟ ال أعلم وإن كنت أتنمى ذلك. خطاب التنوير وحاملو رايته يجب أن يعوا أن املجتمع أصبح تقدميا بقيادة القرار السياسي، وأنه فقد أهم وسائل تطويره بعد أن سقط الخطاب الظالمي فلم يعد لـدى الخطاب التنويري عنصر النقيض -الهيغلي- الــذي يساعده على التطور والـتـقـدم، وعليه فــإن البقاء مـرهـون بتنوير التنويريني ونقد الخطاب من داخله حتى يلحق بالركب.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia