Okaz

«احلوار» البرملاني هو األكثر أهمية

-

«الـــشـــأ­ن الـــعـــا­م» ألي بــلــد يـمـكـن أن يــعــرف بأنه: األمور واملسائل العامة املتعلقة بشؤون ذلك البلد الداخلية والخارجية. إنه كل ما يهم املواطن -أينما كان- من شؤون داخلية وخارجية عامة تتعلق، مباشرة وغير مباشرة، بحياته، وحياة أبنائه وأحفاده، حاضرا ومستقبا. وبالتالي، يصبح من حق املواطن «املشاركة» في صنع القرارات التي تتعلق بالشأن العام لبلده، ألنه شأنه وشأن نظرائه بقية املواطنن. وتتم املشاركة باألصالة، أو بالوكالة (النيابة). وصدور القرار الرشيد في الشأن العام، من قبل املعنين أنفسهم، أو من يمثلهم، ال يجب أن يتم إال بعد «حــوار (وطني)» واسع ومكثف، ومهني.. تعرض فيه كافة الــرؤى ومختلف وجهات النظر، وتحدد املصالح املختلفة.. ثم تتم بلورة صيغة للقرار شبه املتفق عليه، تطرح للتصويت (االستفتائي). فإن أقرتها غالبية املتحاورين تصبح قــرارا ملزما للجميع، بما في ذلك السلطة التنفيذية فــي الـحـكـومـ­ة. الــحــوار يعني: تــبــادل اآلراء ووجـهـات النظر بن أطــراف مختلفة، ذات توجهات ومصالح مختلفة، للوصول إلى قرار مشترك تقبله غالبية املتحاورين. وجــوهــر الـــحـــو­ار هـــذا يـنـطـبـق -أكــثــر مــا يـنـطـبـق ويــطــبــ­ق- في البرملانات. *** أمــا «الــحــوار» خــارج إطــار عملية صنع الــقــرار السياسي، فإنه يعتبر، مهما بلغت أهميته -مقارنة بالحوار البرملاني السياسي بطبيعته- حوارا جانبيا، أو هامشيا، أو ثانويا، وإن شارك فيه مواطنون من فئات مؤثرة مختلفة. البرملان الحقيقي ألي بلد هو امليدان األهم واألنسب إلقامة الحوار الوطني الــدائــم والـشـامـل لكل شــيء، ولـيـس املقتصر على موضوع واحد بعينه.. يتم تداوله، والبت فيه، وبعد ذلك ينفض السامر. البرملان الحقيقي هو مصنع القرار الوطني األكـبـر واألهـــم.. وهــو الــقــرار الــصــادر عـن غالبية املعنين، واملراعي لتوجه ومصلحة وفائدة هؤالء. إنه القرار الصادر عـن أكـبـر منابر الــحــوار الوطني ‪)National Forum(‬ الذي يسمى أحيانا بـ«مجلس األمة»، أو الشعب... إلخ. ولعل هذه التسميات تؤكد الطبيعة الرئيسة للمجالس التشريعية، أينما كانت. أضحى البرملان الحقيقي، في أي بلد، هو قطب الرحى في النظام السياسي لذلك البلد، ألنه يمثل السلطة األهم فيه.. أال وهي السلطة التشريعية. الــبــعــ­ض قـــد يــطــلــق عــلــى حــــــوار­ات الــبــرمل­ــانــات ومجالس الــشــورى نــقــاشــ­ا، أو مــداولــة تـعـقـد فــي جــلــســا­ت، وتضبط بمحاضر. ولكن عند التمعن في هذه الجلسات، سرعان ما يتبن أنها عـبـارة عـن حــوارات مختلفة، ينصب كـل منها على قضية بعينها، تهم الوطن واملواطنن، وتمس جانبا مــن اهـتـمـامـ­اتـهـم. وتـتـم بشأنها الـتـسـويـ­ات والتوفيقات، والوصول إلى حلول وقــرارات تقبلها غالبية املتحاورين املـعـنـيـ­ن. وبـالـقـطـ­ع، فــإن الــحــوار الـوطـنـي املــســتـ­ـدام داخل السلطات التشريعية هو الـحـوار األكثر أهمية، واألفضل مردودا وطنيا.

*** لقد توصل الفكر السياسي العاملي، وعلى مدار ثاثة آالف سنة -تـقـريـبـًا- واسـتـنـاد­ا إلــى الـتـجـارب العملية، وأحداث التاريخ السياسي لبني اإلنسان، إلى صيغة عامة معروفة.. ملا ينبغي أن تكون سلطة التشريع عليه، من حيث: التكوين والصاحيات، ومــا إليهما. فالحكومة -أي حكومة- هي: السلطة العليا العامة في الباد -أي باد- بفروعها الثاثة: التشريع، التنفيذ، القضاء. الحكومة -أي حكومة- وفي أي مكان وزمان، هي، في الواقع، عبارة عن: جهاز إداري ضخم.. يشرع وينفذ ويقاضي.. وتعتبر «السلطة التشريعية» أهم الـسـلـطـا­ت الـــثـــا­ث.. كـيـف ال؟! وهـــي الــتــي تـضـع القوانن، املتفق عليها وطنيا، وتجيز السياسات، وترشد القرارات واالتــفــ­اقــات، وتــراقــب التنفيذ وتـتـابـعـ­ه، وتـسـانـد القضاء وتحترم قراراته. وتعتبر الصيغة العامة للسلطة التشريعية في باد العالم املتقدمة اآلن النموذج الــذي يحتذى للسلطة التشريعية، كما ينبغي أن تكون. ومعظم املجالس العربية والخليجية املـشـابـه­ـة مــا زالـــت بـعـيـدة -نـسـبـيـا- عــن هـــذا الــنــمــ­وذج، أو الـــصـــو­رة املــثــلـ­ـى لـلـسـلـطـ­ة الـتـشـريـ­عـيـة فــي ذروة تطورها الــراهــن. ولـكـن تـوجـد فــي هــذه املـجـالـس العربية الناشئة الكثير من مامح وعناصر النموذج. كما أن هذه املجالس ليست جامدة، بل إنها تتطور.. مقتربة -مـع مـرور الزمنأكثر مـن الصيغة املثلى. ويعتقد أن غالبية املعنين في املنطقة العربية تـريـد لـهـذه املجالس أن تتطور، لكن في إطــار الثوابت الدينية والوطنية املعروفة للباد املعنية. ومــن حـق وواجــب كـل بلد، باملناسبة، أن تقيم «برملانها» وفــق ثـوابـتـهـ­ا السليمة املـخـتـلـ­فـة. فـذلـك هــو الـحـاصـل في باد العالم السابقة في التطور الحضاري والسياسي. إن مجرد تـواجـد بـرملـان يعتبر -فــي حـد ذاتــه- أمــرا إيجابيا، كما يعتبر نقلة نوعية كبيرة في التاريخ السياسي للدول الـنـامـيـ­ة والــنــاش­ــئــة. فـالـتـواج­ـد غـالـبـًا مــا يــكــون أفــضــل من العدم. واألجمل أن يكون لهذا التواجد الثمرات املرجوة.. وأن تتزايد هذه الثمرات، وتحلو أكثر، مع مرور الزمن.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia