Okaz

البنك الذي «عطس»!

-

الــحــدث االقــتــص­ــادي األكــثــر إثـــــارة لــلــجــد­ل في األوســـــ­ـاط املــالــي­ــة الــســعــ­وديــة هــــذه األيـــــا­م كان مـــوضـــو­ع حـــالـــة الـــفـــس­ـــاد «الـــكـــب­ـــرى» الـــتـــي تم اكتشافها فـي البنك السعودي الفرنسي، وتفاصيل القصة تتكشف تباعا كما هو معروف جدا في هذه الواقعة، ولكن هناك مسائل مثيرة تستدعي التوقف عندها في هذه الحادثة. أولها «توقيت» الحادثة كـان مثار استغراب وتعجب، ألنه جــاء بـعـد أيـــام قليلة جــدا مــن اإلعـــالن عــن بـيـع بـنـك كريدي اجــريــكـ­ـول (وهـــو الـشـريـك الـفـرنـسـ­ي فــي الـبـنـك) لحصته في البنك لصالح مستثمر سـعـودي كبير ومــعــروف، مـع العلم أن العقد التأسيسي للبنك كــان يعطي حـق اإلدارة للشريك الفرنسي، وبالتالي هناك تحمل للمسؤولية يقع على عاتق الشريك اإلداري ولكن عقد بيع الحصة كان على ما يبدو فيه شرط عدم الرجوع على البائع «بأي شيء» عقب إتمام صفقة البيع. وهذا يعكس أزمة كبرى داخل مؤسسة النقد نفسها. أزمة الثقافة املسيطرة عليها واملؤسسة «العميقة» املوجودة بداخلها. منذ وصــول املحافظ السابق فهد املـبـارك وصوال للمحافظ الحالي أحمد الخليفي وجهوداتهم الواضحة في محاولة «تخليص» املؤسسة من اإلرث الثقيل للحقبة التي كـانـت قبلهم ولـكـن هـنـاك املـزيـد املـطـلـوب. تلك الحقبة التي كـونـت نموذجا عجيبا لحماية البنوك وحولتهم إلــى ناد خاص مغلق تمنع عنهم املنافسة الداخلية وتحمي «املالك» بشكل غير مألوف. السعودية صاحبة االقتصاد األكبر في الشرق األوســط ال يــزال عـدد املصارف فيها أقـل من املناسب واملطلوب لحجم اقتصادها، وقصة خروج الشريك الهولندي مــن الــبــنــ­ك الــســعــ­ودي الــهــولـ­ـنــدي و«رفـــــض» مــؤســســ­ة النقد لعروض مهمة من بنوك محترمة كباركليز وستاندرد تشاتر ووعوده لشراء البنك حتى وصل الحال اليوم لوجود صفقة انـدمـاج مع بنك سـاب «ليتقلص» عـدد البنوك العاملة بدال من الترحيب ببنك جديد، هـذه القصة تؤكد فلسفة حماية املالك من املنافس الجديد. نفس اإلدارة السابقة التي كرست حماية البنوك ومالكها هي التي أحدثت فوضى التراخيص العشوائية لشركات التأمني ويـدفـع ثمنها الـيـوم مساهمو ســوق األسـهـم وهــي نفس اإلدارة السابقة التي سمحت بأن تقوم البنوك باالقراض املبالغ فيها بضمانة األسهم (املبالغ في قيمتها) مما ساهم في سكب الزيت على النار في سوق األســهــم املـتـواضـ­عـة وقتها وأشـعـلـت قيم أسـهـم مبالغ فيها وعــنــد الـهـبـوط الــحــاد املـتـوقـع استحقت الــقــروض وحميت البنوك التي حققت مكاسب مضللة. هذا هو اإلرث املوجود والذي يجب أن تتم غربلته تماما. لم يعد من املمكن السماح بقبول «هيمنة» مـالك بنوك «غير طبيعية» و«غير عادلة» و«غـيـر بريئة» والـتـي تـوجـد فـي عالقاتهم «تــدخــالت» غير مقبولة بالنسبة ملــبــدأ تــضــارب املـصـالـح وضــــرورة أن يتم تفتيت هذه امللكية املهيمنة في أيدي قلة محدودة ومحمية. فـــي ظـــل رؤيـــــة 2030 والـــتـــ­ي مـــن أبـــــرز ســمــاتــ­هــا اإلفصاح والحوكمة ومحاربة الفساد والعدالة ال يمكن قبول استمرار وضـعـيـة ثـقـافـة مـؤسـسـة الـنـقـد كـحـمـايـة غـيـر ســويــة لوضع البنوك فهي مطالبة أن تكون مشرعا عادال وسويا للصناعة املصرفية وليس كحام ملصالح قلة من املالك. تاريخ املصارف في السعودية مثير ومليء بالفصول املثيرة للجدل. فتارة تـفـتـح األبـــــو­اب مـانـحـة لـلـتـراخـ­يـص لـبـنـوك عـربـيـة وعاملية فـجـاءت خـبـرات مـن بـنـوك كـبـرى مثل اي سـي ان الهولندي واتــش اس بي سي البريطاني وكـريـدي اجريكول الفرنسي وســيــتــ­ي وتــشــيــ­س األمــريــ­كــيــني، وتــــارة كــانــت هــنــاك قرارات غريبة تشبه التأميم في أثرها. درس واقعة البنك الفرنسي يشير إلـى مشكلة عميقة؛ فالتجاوز انتشر وتخطى أجهزة الرقابة الداخلية للبنك نفسه واملحاسب القانوني ومؤسسة النقد دون أن يتسبب في صافرة إنــذار وأعــالم حمراء ترفع وتـوقـف ذلــك األمــر. املشكلة عميقة جــدا وقــد ال تتوقف عند البنك السعودي الفرنسي وحده.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia