أسباب الدعم اإلجنليزي للجماعة
الــســؤال الـــذي يـطـرح نـفـسـه، ملـــاذا يـدعـم اإلنـجـلـيـز وأجهزتهم االستخباراتية حسن البنا وجماعته الناشئة آنذاك؟! والــوصــول إلجــابــة شـافـيـة تـفـرض علينا أن ندرس الـــظـــروف واملــالبــســات الــســيــاســيــة واالقتصادية واالجتماعية فـي مصر خــالل تلك الحقبة وما سبقها ومــا تــالهــا، ونـسـعـى لتحليل وتفسير األسباب والدوافع، واألهداف التي ستصل إليها من دعم جماعة اإلخوان، كما علينا أن نضع في االعتبار أن دول االستعمار لن تدعم أي حركات إســالمــيــة فــي الــعــالــم الــعــربــي واإلســـالمـــي بهدف تحقيق مصالح إيجابية لهذه الدول، بالتأكيد أنها تسعى حتمًا لتحقيق مصالح تخصها فقط أو منافع متبادلة مؤقتة على أقـل تقدير، أمـا الجماعات التي تتلقى مثل هذا الدعم أو باألصح «الرشاوى»، فهي تبحث عن تحقيق مصالحها فــي الـــوصـــول إلـــى الـسـلـطـة وفــقــًا ملــبــدأ مـيـكـافـيـلـي الـشـهـيـر «الــغــايــة تبرر الوسيلة»، ولكنها حتمًا ستقع تحت سيطرة هذه األجهزة االستخباراتية ذات اإلمكانات الهائلة والقدرات الكافية للتحكم والتالعب بهذه الجماعات على طريقة «العصا والجزرة». الـكـثـيـر مــن املـــراجـــع، فــســرت وحـلـلـت أســبــاب الــدعــم اإلنــجــلــيــزي لجماعة اإلخوان وحسن البنا، وفقًا ألحداث تلك املرحلة، فانصبت الكثير من اآلراء حول أن االستعمار البريطاني وحلفاء ه كانوا يهدفون إلى دعم تيار شعبي يناهض حــزب الـوفـد، الــذي كــان يتمتع بشعبية طاغية آنـــذاك، وتوظيف اإلخــــــوان كـــورقـــة ضــغــط عــلــى ســلــطــة الــقــصــر حــتــى يــفــرض اإلنجليز اسـتـمـرار بقائهم فــي مصر وعــدم إجــالء قـواتـهـم ألطــول فترة ممكنة، وبالتالي تعطيل مشروع استقالل مصر بشكل تــام، وهــذا التحليل صحيح، وكـانـت إحــدى ثمرات الـعـالقـة بــني الـبـنـا واإلنـجـلـيـز، عـلـى سبيل املثال ولــيــس الــحــصــر، هــي مـسـاعـيـه لـتـهـدئـة الشارع املصري بعد اندالع مظاهرات عام 1946 بسبب مــشــروع مــعــاهــدة «صــدقــي - بــيــفــني» الــتــي لم تحقق املطالب الشعبية باالستقالل الـتـام عن بريطانيا، باإلضافة إلى عدم قبول السياسات الــقــمــعــيــة الـــتـــي انــتــهــجــتــهــا حــكــومــة إسماعيل صدقي الذي مال مع مطالب اإلنجليز ضد مطالب الشعب، ونكاية في حزب الوفد الذي خرج مع املواطنني للمطالب ذاتها. ولكن يجب أن ال نغفل أن قـوى االستعمار العاملي بشكل عـام وبريطانيا الـعـظـمـى عـلـى وجـــه الــخــصــوص، تـتـمـيـز بـبـعـد نـظـر وتـحـلـيـل وتخطيط إسـتـراتـيـجـي أبـعـد مــن الـتـركـيـز عـلـى خـطـط قـصـيـرة املـــدى وإدارة ملفات األزمـــات السياسية بمعالجات سريعة، وفقًا ألحــداث آنية وحقبة زمنية محدودة، فهي دائمًا ما تخطط بإستراتيجية ذات سياسات بعيدة املدى. كما أن اإلنجليز في سياساتهم الخارجية، دائمًا ما يقومون بدعم جماعات املــعــارضــة الـديـنـيـة داخـــل الـــدول الـتـي تجمعها بـهـا مـصـالـح اقتصادية، وعلى سبيل املثال وليس الحصر، ما فعله اإلنجليز في إيران عام 1953 للتخلص مـن حكومة محمد مـصـدق الـتـي قـامـت بتأميم صناعة النفط