Okaz

بعض الفتاوى تعاني غياب فقه مقاصدها وعدم النظر في مآالتها

-

وأضاف أن خطاب اإلفتاء يحمل برسوخه العلمي، وتجليات بصيرته توجيهات تــوعــويـ­ـة لـلـجـالـي­ـات اإلسالمية تكسبها الحكمة، وتبعدها عــــن االرتـــــ­جـــــال والفوات والـعـجـلـ­ة، ومــا أكــثــر ما يغيب املـــراد مـن النص، فيفوت الــوصــول لعلته فـي سـيـاق علم املقاصد، حـيـث يـــدور الـحـكـم عليها وجــــــودًا وعــــدمــ­ــًا، ومــــا أقل الــنــظــ­ر فـــي املـــــآا­لت واخــــتــ­ــالف الزمان واملـــكــ­ـان واألحـــــ­ــــوال، حــيــث يـخـتـلـف بها الحكم والفتوى عند االقتضاء واإلمكان، ال بالتشهي ومداهنة الهوى، وما أسعد املـفـتـي بــالــصــ­واب، وقـــد احــتــاط للدليل، واســـتـــ­وعـــب مــعــنــى الــــنـــ­ـص، واستجلى مقاصده، وسلك في ذلك سبيل السعة على الـخـلـق، عـلـى جـــادة اإلســـالم فــي الرحمة والتيسير، والتسديد واملقاربة، مدركًا أنه لن يشاد الدين أحد إال غلبه، في معادلة توازن، ال يلقاها إال الراسخون في العلم، ال حملته مجردًا من فقهه، فرب حامل فقه إلــى مـن هـو أفـقـه مـنـه، ورب مبلغ أوعى من سامع. ولفت د. العيسى إلى أن كثيرا من الناس قد ضل في تيه بعض حاملي النصوص، فــحــســب­ــوا الــعــلــ­م ســــرد مــادتــهـ­ـا املجردة، فــــي اســـتـــظ­ـــهـــار مــــذهـــ­ـل، واستعراض خــــداع، يـخـبـط خـبـط عـــشـــوا­ء، كما فـــات بـعـضـًا آخـــــر، الـــفـــر­ق بن الــفــتــ­وى الــعــامـ­ـة والخاصة، والتفريق بن خاصة األفراد أنفسهم، الخـتـالف األحوال، كما فــات كـذلـك مــراعــاة الفرق نفسه في الفتوى العامة، ولم يتيقظ بعض املفتن ألمر مــــهــــ­م، فــــغــــ­اب عــنــهــم أن االحـتـيـا­ط فـي فتوى األفراد واملؤسسات الخاصة يختلف عن االحـتـيـا­ط فـي فـتـوى املـؤسـسـا­ت العامة، والسيما شأن الدول؛ فقاعدة رفع الحرج وعــمــوم البلوى تكتنف هــذا املـحـل أكثر من غيره، وسطحية النظر تغفل عن ما يكابده، وما أهون الحرب على النظارة.

إمام فتوى عام

وزاد: «إن رعاية جميع ما سبق يصب في مصلحة استقرار املجتمعات وإلفها، التي تتناولها مــحــاور هــذا املـؤتـمـر، ويتعن لـــهـــذا الــتــصــ­نــيــف الـــعـــا­لـــي مـــن الفتاوى تخصيص إمــام فتوى عـام ال يـزاحـم، أو ردهـــا لـفـتـوى مجمعية، مــع املـنـع البات من تطرق غيرهم لها، في إطار الحماية القانونية لحظ الصالح العام، مع تكييف اخــتــراق هــذا الــحــمــ­ى بالعمل الجنائي، حيث تخطى سقف حرية الــرأي العلمي إلــى مداهمة استقرار املجتمع بانتحال اسم الشرع وهو ــ هنا ــ في طليعة األفعال الــضــارة، ومـتـى أفـضـت الـحـريـة إلــى هذا الــنــوع مــن الــســطــ­و، اســتــحــ­الــت لفوضى وجــنــايـ­ـة عــامــة فــي ظـــرف مــشــدد، مؤكدًا أن هذا كله ال يصرف العالم عن العناية أيضًا بفتوى األفــراد، فلها ارتباط كذلك باالحتياط لحكم الشريعة مـع التأليف عليه.

تصحيح األعراف

واعــتــبـ­ـر الــعــيــ­ســى أن مـــن رســــوخ علماء الشريعة ويمن فهمهم االنفتاح عـــلـــى االخــــــ­تــــــالف السائغ ورحابة الصدر باملخالف، وقـــد أمـــر اإلمـــــا­م أحــمــد ـ رحمه الله ـ أحد تالمذته، وقــد سـمـى كـتـابـه كتاب االختالف أن يسميه كتاب الـــســـع­ـــة، الفـــتـــًا إلـــــى أن من نكد الفتوى إثارتها للوجدان العام، ومصادمة األعراف املشروعة فيما الــجــادةَ بـخـالفـه، وذلـــك أن جـمـع القلوب والــــرفـ­ـــق بـــالـــن­ـــاس بــتــصــح­ــيــح أعرافهم مطلب شرعي إال ما كان منها على خطأ بـــــــــ­ــــــــــ­ـــن،

عندنا عليه من الله برهان، والعالم البالغ ذروة االجتهاد، أحفل ما يكون بالسعي حسب الوسع لتخريج أعراف الناس ومعتادهم على اإلجــازة واإلمـضـاء، كما هو األصل فيها. وقــــال: إن عــفــو الـشـريـعـ­ة قــد تـسـامـح عن الــقــيــ­اس املـــــحـ­ــــرم فـــي بــعــض املعامالت فـأجـازهـا استثناء، منعًا لتحريج األمة في شأن حاجياتها، كما في الباعث على الحكم االستثنائي للعقد على املعدوم في اإلجــارة وغيرها، بل شملت الرحمة العفو في الكماليات الترفيهية كما في مـسـألـة الــعــراي­ــا وغــيــرهـ­ـا، وال تــوســع في هذا على سياق الشرع. وأكـــد العيسى أن مــن الـعـنـت، التضييق على الناس في فهم وتطبيق قواعد رفع الـــحـــر­ج، واســتــشـ­ـعــار املــفــتـ­ـي أنـــه حارس حـــكـــم الـــــحــ­ـــرام دون الـــــحــ­ـــالل، وقــــــد قال تـعـالـى: «وال تـقـولـوا ملــا تصف ألسنتكم الــكــذب هـــذا حـــالل وهــــذا حــــرام لتفتروا على الله الكذب»، فجعلهما في التشنيع بحكمهما الــكــاذب على حــد ســـواء، ومع خطر مقتحم الفتوى العامة والخاصة عـــلـــى حـــكـــم الـــشـــر­يـــعـــة ومـــقـــص­ـــدهـــا في استقرار املجتمعات وإلفها إال أن اليقظة ألهمية تشريعها التنظيمي دون املأمول، الفـــتـــًا الــنــظــ­ر إلــــى أنــــه ال يــخــفــى أن أول نـاقـض للباعث على الـفـتـوى املجمعية، هو الشتات الناكث لها من قبل كل متكئ على أريكته، ال يتجاوز نظره نطاق أفقه الضيق، وهــؤالء (على حسن الظن بهم) هم األقل حظًا في تدبر املآالت.

توحيد الفتوى

ووصـــال لـفـائـدة الفتوى املجمعية تابع: ما أحسن الوصال والتنسيق ـ عند االقــــتـ­ـــضــــاء ـ مـــــع الــــــدو­ل ذات الـتـجـانـ­س والتقارب لـــتـــوح­ـــيـــد الــــفـــ­ـتــــوى مـــــا أمكن الــحــال، وكلما اتـحـد حكم الشريعة في نــظــر املــجــتـ­ـهــديــن فـيـمـا تــمــس الحاجة لضبطه، كلما كــان أكثر تأثيرًا ونفعًا، واملــدخــ­ل اآلخـــر عـلـى مجمعية الفتوى هـــو تــضــاربـ­ـهــا مـــع مــجــمــع آخــــر، وهذا ال بـــد لـــه مـــن نــظــر ومــعــالـ­ـجــة، وإال زاد الزمانة علة، وما أصعب االختالف في فهم أطر الدين متى تجاوز إطار سعته املسموح بها، وأفضى إلى الشر والنزاع والـتـشـوي­ـش، ومــا شـكـوى سـنـة اإلسالم اليوم إال من كثرة الــرؤوس في رسمية مرجعيتها العلمية، فكيف بتطفلها وعشوائيتها. وأوضح أنه وصال لقانون الفتوى في هذا املعنى يتعن تجريم االختالف على فتوى اإلمـــام الـجـامـع لـألمـة على جــادة تآلفها، وإذا كـان املخالف ينشد بــراءة الذمة فقد برئت بفتوى املؤهل وبكف كل مخالف له بسياسة املانع الشرعي والزاجر القانوني، وكثير ممن يخالف ويـجـازف فـي هــذا ال يخلو مــن دافــع مستجر، أو هــوى متبع، ومن جعل علمه غرضًا لألهواء اضطرب دينًا ودنيا، وتبقى السعة العلمية في هذا الـخـصـوص بـعـيـنـه فــي أروقـــة الدراسات األكـــادي­ـــمـــيــ­ـة واملـــؤلـ­ــفـــات الــعــلــ­مــيــة ال في أوساط عموم الناس. ودعا في كلمته لحماية ِحمى الفتوى من تصنيف الترخيص لها على املوضوعات مع التحفظ على الفتاوى الحية، حيث ال مجال للتدبر وال التحرير، وشـرع الله ال يلقى جزافًا على الهواء، وهو أول ما يستفرغ له الوسع، دراسة وتـــأمـــ­ال ومـــراجــ­ـعـــة، فضال عـــمـــا فـــــي تـــلـــك الفتاوى الــــطـــ­ـائــــرة مــــن اســــتـــ­ـدراج املفتي بحبائل االستفتاء، وكــــــــ­م لـــكـــثـ­ــيـــر مـــنـــهـ­ــم من وقائع ذات مخاطر ومزالق، وإلن مـــضـــت فــــي زمـــــن سابق ليسر الحال وبراءة السؤال، فالحال اليوم تختلف.

الترتيب بني املصالح واملفاسد على املفتي املوازنة بني الواجب والواقع والعناية بالبدائل

وأشــار إلـى أن للمفتي شأنًا آخـر مـع فقه التنزيل بضابط تحقيق املناط، وتتجلى أهـمـيـة ذلـــك فـيـمـا يـسـمـى بـفـقـه األقليات أو املـهـجـر حـيـث الـتـرتـيـ­ب بــن املصالح واملـــفــ­ـاســـد، أخـــــذًا بــــاألول­ــــويــــ­ات وإعماال ملوازناتها، ومـا حــرم سـدًا للذريعة أبيح للمصلحة الـراجـحـة، ونـجـد الـواقـعـة في املهجر على فـتـوى الــجــواز والــحــل، وفي غــيــره عــلــى املــنــع والــحــظـ­ـر، وبــمــثــ­ل هذا الـــوعـــ­ي اإلفـــتــ­ـائـــي يــكــون الــفــهــ­م عـــن الله ورسوله، وهو طريق السالمة من أخطاء التأصيل والتنزيل، مضيفًا أن على املفتي وهــو يحفل بـاسـتـقـر­ار املجتمع العناية بـالـبـدائ­ـل والـحـلـول الـشـرعـيـ­ة؛ فـديـن الله سعة ورحمة، ال حرج فيه وال مشقة، وما

ُُ حرم شيئًا إال جعل له عوض خير، علمه من علمه وجهله من جهله، يؤتاه الراسخ علمًا، واملــهــد­ي أمــانــة وصــدقــًا، كما على املفتي اليقظة ملزلق الزاوية الواحدة في النظر الفقهي، وبسببها جــرى التوسع، ثم العنت على الناس في باب سد الذرائع عـلـى أن مــن الـــذرائـ­ــع مــا يــدخــل فــي حيز الوهم أو اإللغاء. ولــفــت إلــى أن أمـــور الــنــاس مـحـمـولـة في أصــلــهــ­ا عــلــى الـــجـــو­از واإلمـــضـ­ــاء، وعلى املـــفـــ­تـــي املــــــو­ازنــــــة بــــن الـــــواج­ـــــب بحسب االقـتـضـا­ء الحكمي للنص، وبــن الواقع تـــنـــزي­ـــال عــلــى مــقــصــد الـــشـــر­ع الحنيف، مراعيًا التيسير والتخفيف، وهــو ذروة الفقه الـشـرعـي، وذروة املسلك الوسطي، فال يهدر النص، وال يهمل الواقع. وسأل في ختام كلمته املولى جل وعال أن ينفع بـهـذا املـؤتـمـر لـيـكـون إضافة خير لرصيد علماء األمة في رحــــاب عــراقــة حاضنتهم الـــيـــو­م ورســوخــه­ــا علمًا وخـبـرة، مثمنًا ذلـك لدار اإلفـتـاء املصرية فـي أفق رئـــاســـ­تـــهـــا ألمـــــان­ـــــة دور وهــــيـــ­ـئــــات اإلفــــــ­تــــــاء حول الـــعـــا­لـــم وعــــلـــ­ـى مــــا نصحت وأســدت برعاية رئيس جمهورية مصر العربية عبدالفتاح السيسي. يــذكــر أن املــؤتــم­ــر الـــدولــ­ـي يـسـتـمـر ثالثة أيــام فـي مدينة القاهرة برعاية الرئيس املــصــري عـبـدالـفـ­تـاح الـسـيـسـي ومشاركة شــيــخ األزهـــــ­ــر األســــتـ­ـــاذ الـــدكـــ­تـــور أحمد الطيب ومفتي الــديــار املـصـريـة الدكتور شوقي عالم وعدد غفير من مفتي العالم اإلســـالم­ـــي ورؤســــــ­اء جــمــعــي­ــات وهيئات إســـالمــ­ـيـــة حـــــول الـــعـــا­لـــم، بــحــضــو­ر عدد كبير من علماء ومفكري العالم اإلسالمي وحشد مـن كبار املدعوين مـن سياسين ودبلوماسين وممثلي أتـبـاع الديانات ناهز األلــف شخصية، وحظيت مشاركة الشيخ العيسى باهتمام املؤتمرين على املنصة الرئيسية للمؤتمر، حيث تناولت كلمته عددًا من املوضوعات ذات العالقة بمحاور املؤتمر.

 ??  ?? أمين الرابطة على منصة احتفال افتتاح المؤتمر متوسطا شيخ األزهر ووزير األوقاف المصري.
أمين الرابطة على منصة احتفال افتتاح المؤتمر متوسطا شيخ األزهر ووزير األوقاف المصري.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia