ديالكتيك سعودي بني جوع وضياع
مع كل حديث عن (االنتلجنسيا) السعودية يحضرني حديث املرأة التي جاءت تشتكي للنبي عليه السالم من زوجها، ألنه قال لها «أنت علي كظهر أمي» فقال النبي الكريم: ما أراك إال حرمت عليه. فقالت: إن لي منه صبية إن ضمهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إلي جاعوا. فــي مـطـلـع الـسـتـيـنـات حــاولــت الـنـخـبـة املـثـقـفـة أن يــكــون لـهـا موطئ قدم. انتمى بعضهم ألحزاب وأفكار سرية، وبرغم أن معظم املجتمع تماهى مع القومية، والبعض تعلق باليسار، إال أنه ظلت هناك قوى ممانعة شرسة. وسـرعـان ما انكشفت التنظيمات، وتـــوارت، ومنيت أحالمها بخسائر فادحة ألسباب موضوعية وذاتية. فــي مطلع الـثـمـانـيـنـات كــانــت الــتــيــارات اإلســالمــويــة تـجـتـاح العالم الــعــربــي، واســتــفــاد املـنـتـمـون لـــإخـــوان، والــســروريــة، مــن اليسارية، وتبنوا الكثير من أدبياتها على مستوى التنظيم، والتنسيق، وحاول رمـوز الحداثة والتنوير التصدي إال أن معظم املجتمع اصطف مع اإلسالميني كون العالم العربي بأكمله دخل نفق األسلمة. من يقرأ سيرة املجتمع السعودي طيلة 40 عامًا وتحديدًا من 1960 – حتى 2001 سيتأكد أن النخب املثقفة اعتمدت على املستورد من األفكار، يمينية ويسارية، في ظل تمسك تالميذ السلفية التقليديني بتعزيز جانب العقيدة وتدريس موضوعات الفقه، وتلك حقبة يمكن أن نصفها بمرحلة الـخـلـط بــني العقالنية وبــني الــخــرافــة، والتقدم خطوة إلى األمام ثم التراجع خطوات إلى الـوراء، ولعل الدولة آثرت أن تظل بمنأى من الدخول العلني في (الديالكتيك) وإن وجهته أو أدارته. منذ أحــداث سبتمبر 2001 دخلنا مخاضا جـديـدا مـن الديالكتيك (جــــدل) و(مــحــاجــجــة)، وأكــــاد أزعـــم أنــهــا مــن أثـــرى مــراحــل الصراع الفكري، والحوار الثقافي، كونها بإدراك ووعي وترتيب أو بدون ذلك أنتجت نخبة جديدة أفكارها محلية الصنع، فولدت (انتلجنسيا) تعلي شأن الوطن وتجيد الحديث عن نفسها وحقوقها بوعي، هذا املــكــون الـنـاجـم عــن صـــراع (إســالمــوي حــداثــوي) مــن خصائصه أنه تصالحي، ومستوى ثقافته اإلنسانية راق جدًا بحكم أنه لم يتحزب، وهو أقرب إلى االستقاللية. بالطبع الدولة اليوم سبقت كل النخب بمراحل، إال أن مشروع النخبة لـم ينته، فهي معنية بتعزيز مـؤسـسـات املجتمع املــدنــي، وتأصيل مشروع النقابات والجمعيات لتكون رافدًا للمشروع الوطني، وتذيب به حماس البعض وتعلقه باألحزاب املاضوية.