Okaz

ما يفعله اخليال األسود !

- عزيزة المانع azman3075@gmail.com

من نكد الدنيا على علم التربية، أن كل أحد يرى نفسه يفقه في هذا العلم فيتحدث باسمه وكـأنـه أحــد األسـاطـني فيه، ال يعتريه تــردد وال يشوبه شـك فـي صــواب مـا يـقـول. وتبعا لـذلـك، كثر نـقـاد وزارة التعليم بعد أن صار املعيار املرجعي لقياس نجاحها أو فشلها، هو رأي املنتقد وفكره وتوجهاته األيديولوج­ية وخلفيته الثقافية التي ينطلق منها، كما نتج عنه أيضا، تكاثر الذين يعدون أنفسهم خبراء في التربية ال يشق لهم غبار، بصرف النظر عن خلفيتهم العلمية، فبالنسبة لهم علم التربية علم بدهي، يستوحونه من خال ما يدور في أذهانهم من فكر وما توارثوه من أساليب وقيم، فا حاجة لهم إلى دراسة واستقصاء معرفي وأبحاث وتطبيقات علمية. كمثال على هـؤالء الخبراء، ما كتبه أحدهم في صحيفة مكة قبل أيام، مـهـاجـمـا تـضـمـني كــتــاب (لــغــتــي) الـــذي يـــدرس لـطـالـبـا­ت الــصــف الثاني االبتدائي، أبياتا تتضمن مشاعر (الحب) نحو الصديق والـجـار، تقول األبيات: (وكم أحب صاحبي، يظل دوما جانبي، نبقى معا في حبنا في البيت واملاعب، وصاحبي يحبني، أزوره ويزورني). أما سبب الهجوم، فألن الناقد الكريم لم ير في األبيات سوى أنها تحرض طفلة السابعة، على أن يكون لها صديق تحبه وتتبادل معه الزيارة، وفي ذلك ما فيه من هدم للقيم واألخاق، والتشجيع على الفساد، إلخ منظومة العبارات التي تتدفق عـادة على ألسنة أمثاله من النقاد، الذين ال يرون أبعد مما يدور في أذهانهم من الخياالت السوداء. األبيات جميلة وخفيفة ومناسبة لسن األطفال في املرحلة األولية من التعليم، كما أنها تفيض بقيم التقبل واملحبة بني األصحاب والجيران، وهي صالحة للبنات واألوالد حتى وإن جاءت بصيغة املذكر، فالخطاب في اللغة العربية عندما يشترك فيه الجنسان، يكون بصيغة املذكر، أما متى أنث الخطاب فإنه يكون خاصا باإلناث وحدهن فقط. إضافة إلى أن (الصاحب) قد يكون أنثى وقد يكون ذكرا، وكذلك (الجار)، وحني يردد الصغار (وكم أحب صاحبي)، فإن ما يرسخ في أذهانهم من ذلك هو محبة الشخص الذي يصاحبونه والجار الذي يلعبون معه، دون تركيز منهم على نوعه. لو أردنا أن نأخذ بما ذهب إليه هذا الناقد من شطط في القول، فإننا لن نـدرس للبنات بعض أحاديث الرسول عليه الصاة والسام كالحديث الذي ورد في صحيح البخاري، أن عائشة رضي الله عنها قالت: «قلت يا رسول الله إن لي جارين فإلى أيهما أهدي؟ قال: إلى أقربهما منك بابا». فعلى مبدأ األخ الخبير، تدريس مثل هذا الحديث يشجع الفتيات على إقـامـة عـاقـة مـع جيرانهم وتـقـديـم الـهـدايـا لـهـم، ألنــه يتضمن (جارين) وليس (جارتني)! إذا كنا سنسقط ما يدور في رؤوسنا من أفكار مريضة على النص الذي نقرؤه، فإن بإمكاننا قياسا على ما سبق أن نقول: إن تلك األبيات ليست مناسبة حتى للذكور، فهي تتغنى (بحب الصاحب)، وفي هذا تشجيع للصغار على أن يكون لهم صاحب يحبونه ويذهبون معه إلى املاعب ويــزورونـ­ـه فــي الـبـيـت، وهــو مــا يخشى معه وقــوع الـصـغـار فــي عاقات (مثلية) فيما بينهم. هكذا، يكون تناسل األفكار املريضة، ومتى وجـدت أذنـا صاغية، فإنها ال تتوقف عند حد. حــني كنا صــغــارا، كنا نــدرس نصوصا أدبـيـة جميلة تضمنتها كتبنا املدرسية، ولكن ملا جاءت الصحوة، لم تر في تلك النصوص سوى ما كان يوحيه لها فكرها املريض بالوسواس، وذوقها السقيم في التذوق األدبي، فحذفت من الكتب الدراسية جميع تلك النصوص رغم ما كانت تتسم به من جمال اإلبداع الفني، وجاءت بالبديل نصوصا ثقيلة وسقيمة، كل ما يميزها أنها كانت تمثل ما يرضي الفكر األيديولوج­ي املتشدد. فكانت النتيجة أن التعليم ظـل طيلة تلك الـعـقـود الصحوية، (بسبب املـحـتـوى الــــرديء لكتب األدب والـــقـــ­راءة)، ينتج أجــيــاال ال تـعـرف جمال الـتـذوق األدبــي والفني، فكان أن انعكس ذلـك سلبا على سلوك وطريقة تفكير كثير من الناس.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia