الفكر التكفيري
معظم أدعياء ثقافة العودة للماضي وأن (عـودة املسلمني لحضارتهم وأمجادهم ال تتم إال بالعودة إلى طبيعة تلك املـرحـلـة البيئية املـاضـيـة وتــكــرار ذلــك الــزمــن) كــاذبــون وال يعتقدون بما يقولوه حقا.. ولكنهم يجدون من البسطاء من يصدق قولهم ويؤمن به.. فهم يستغلون الدين إليصال تلك الثقافة.. ألهداف سياسية. جهيمان وأتباعه كانوا من هؤالء. فقد عاشوا في بيئة أشبه باملدينة القديمة.. ال كهرباء وال هواتف وال طرق.. محاكاة للماضي بيئيا وثقافيا واجتماعيا.. وسياسيا، فاستمالوا بــذلــك الـتـقـشـف املـصـطـنـع نــفــوس الــجــهــالء والـــســـذج. وفي النهاية، ظهرت سوءاتهم وأهدافهم عندما احتلوا املسجد الــحــرام رغـبـة فــي حكم املسلمني بـاسـم (الـجـمـاعـة السلفية املحتسبة). في عام ،م1979 بدأ التشدد الديني النابع من فكر التكفير يأخذ طريقه كحل ألزمــة تلك املرحلة؛ علما أن تلك األزمة كان سببها التشدد ذاته وما يرتبط به من أساطير تنسب لـلـديـن. وعــاد املجتمع عـشـرات الـسـنـوات للخلف. واستمر في التراجع عن ركب الحضارة والتقدم البشري بخطوات بطيئة.. حتى شــدت (الـصـحـوة) ظهرها فأصبح التراجع يـقـفـز قــفــزا لـــلـــوراء. وبــــدأت أفــكــار الــعــودة لـلـمـاضـي تأخذ طريقها ملنصات املؤسسات املدنية بمعظم أشكالها؛ وأهمها منصات التعليم. وانتشرت التسجيالت الدينية التي تحمل هذا الفكر بشكل أكبر –افتتح أول محل تسجيالت دينية عام م1977 وكــان صغيرا ومتواضعا-. وبما أن أصحاب هذا الفكر خبراء في إســاءة فهم الـواقـع، رسخوا مفهوم أن كل جديد وحضاري هو بدعة وضاللة وكفر. بل حتى العلوم فــي املـــدارس يــرون أنـهـا (تعلم الــطــالب علوما كفرية مثل كـرويـة األرض). فأصبح التطور جــزءا مـن مفهوم الفساد الذي يجب محاربته ومكافحته والوقوف في وجهه. تلك الحركات الدينية ليست وليدة فكر جهيمان فحسب؛ ولكنها تـراكـمـات تطورية لفكر التكفير. وهــي موثقة في كـتـب قـديـمـة وحــديــثــة لــن يـمـكـن الـتـخـلـص مــنــهــا.. ستبقى تنتظر عقال فاسدا يتبناها ويبدأ بها مرحلة فساد جديدة. فــهــي تــلــوي ذراع الــنــصــوص الــديــنــيــة وتــشــوه مفهومها وتبثها للبسطاء الـذيـن يصدقون أن الـديـن عنف وتكفير وعودة للماضي. االلتفات نحو املستقبل واملضي قدما في طريق الحضارة والتطور هو الحل ملكافحة الشعوذات املتلبسة باسم الدين.. وهو السبيل لتعويض سنوات التراجع للوراء.