Okaz

السيدة أمريكا!

-

مازالت أمريكا هي القطب العاملي الوحيد، ومازالت - حتى إشعار آخر- تتربع على قمة العالم االقتصادية - السياسية. ذلــك يجعلها اآلمـــرة الناهية فـي كثير مــن الــشــؤون والــتــطـ­ـورات الـسـيـاسـ­يـة، اإلقليمية والـعـاملـ­يـة. النظام العاملي يظل، إذا، نظام القطب الواحد. وملن ال يتذكر هذا املوضوع السياسي، نقول: إن «النظام السياسي العاملي» يعني: عالقات القوى والسيطرة في ما بني دول العالم.. من حيث توزيع وتركز وأثر القوة الدولية. وهناك خمسة «أنظمة» عاملية رئيسة ممكنة، هي: متكافئة. منتظم تـوازن القوى: حيث توجد عدة تحالفات دولية متكافئة، أو شبه محكمة. منتظم القطبية الثنائية الـهـشـة: حيث تـوجـد دولــتــان عظميان تهيمنان على القرارات الدولية بقبضة غير الدولية. منتظم القطبية الثنائية املحكمة: حيث تحكم دولتان قبضتيهما على معظم القرارات - منتظم األقــطــا­ب املـتـعـدد­ة: وفيها يـسـود العالم عظميني، كل منهما ند لألخرى. نسبيا... منتظم القطب الواحد: حيث تسود العالم دولة عظمى هي األقوى و«الـنـظـام»، في أي حـال أو وضعية، يعني: شيئا ما من مكونات عــدة، يسير على وتـيـرة واحــدة معينة، خــالل فترة طويلة نسبيا. وبالتالي، فان هناك «أنظمة» ال تحصر.. حتى «الفوضى» تعتبر نظاما (فوضويا). وعندما يزاح «نظام» أو يتوارى، يقوم «نظام» أكـثـر مـن قوتني آخـر محله.. وهكذا. أمـا أن نصف وضعا ما بأنه «وضــع فذلك غير مقبول، وال يصح. ال نظام»

*** ومن هذا الحديث العابر، ندرك أن أي «نظام عاملي» ال يمكن أن يدوم - مهما طال أمد سيادته. وكما يقولون: لو دامت لغيرك ما وصلت إليك.. لو دامت للبرتغال وإسبانيا وإنجلترا واالتحاد السوفييتي ملا وصلت ألمريكا.. التي انفردت بالقطبية العاملية منذ عام ،م1991 سنة زوال االتحاد السوفييتي، وانهيار «املعسكر الشرقي». هذا هو العصر الذهبي ألمريكا. والقوة تجلب املزيد من القوة، كما أن املال يمكن أن يجلب مزيدا من املال. ومن البدهى أن يحاول قادة أمريكا، بكل ما أوتـوا من قوة، إطالة أمد هذا العصر (هذا النظام العاملي) ألطول فترة ممكنة. ولكن، ما كل ما تتمناه أمريكا تدركه. في نهاية القرن العشرين املاضي، وضع قادة أمريكا، متمثلني في أجهزتها الحكومية والبحثية املصغرة، إستراتيجية أمريكا للقرن الــقــادم.. الـقـرن الــحــادي والعشرين ‪.)Century 21 America(‬ هدف هذه اإلستراتيج­ية الرئيس كان - وما زال - هو: أن تكون السيادة الرئيسة على العالم ألمريكا.. وأن يستمر انفراد أمريكا بقمة النظام العاملي طيلة القرن الحادي والعشرين... حتى أنهم أطلقوا على هذه اإلستراتيج­ية، واملدة التي تغطيها، بـ «القرن األمريكي» American( )Century قائلني: إن النصف األخير من القرن العشرين كان أمريكيا، وإن القرن الحادي والعشرين سيكون برمته أمريكيا. وانطالقا من هذه الرؤية تسعى أمريكا، كي تضمن البقاء في القمة، لتقوية ذاتها (لتبقى األقوى، نسبيا) وفى ذات الوقت مقاومة «صعود» أي قطب قـوى ينافسها، ويفرض نفسه كند لها. وهـذا هو أحـد أهـم مبادئ السياسة األمريكية الحالية.. *** وأعتقد أن هذا القرن سيشهد قبل انتهائه، صعود قطب أو أقطاب آخرين (رغما، وعنوة) إلى قمة العالم.. ليشاركوا أمريكا تلك القمة، وليحولوا النظام العاملي الراهن، من «نظام القطب الواحد» ( -Un ‪)polar System‬ إلى «نظام األقطاب املتعددة» ‪.)Multipolar System(‬ واألقطاب فيه سيكونون: أمريكا، الصني، روسيا. نحن اآلن في العام ،م2017 أي في نهاية الخمس األول من القرن الــحــادي والـعـشـري­ـن. وقــد يحصل هــذا الـتـحـول الكبير فـي النظام الــعــامل­ــي فــي أي خــمــس مــن األخـــمــ­ـاس الــبــاقـ­ـيــة فــي الــقــرن املذكور. صحيح، أن أمـريـكـا تعتبر - حتى اآلن - أقـــوى إمـبـراطـو­ريـة على وجه األرض شهدها العالم في األلف سنة األخيرة من تاريخه. فهي ليست «قـوة عظمى» ‪)Super Power(‬ وحسب، بل هي «قـوة هائلة» ‪.)Hyper Power(‬ ومـع كل ذلــك، فـإن التغيير في النظام العاملي آت ال محالة.. بسبب أن املنافسني ألمريكا على وشك أن يصبحوا هم أيضا قوة عظمى. *** وكما ذكرنا، فإن الهدف الرئيس ألمريكا اآلن هو: ضمان استمرار تـفـوقـهـا وبـقـائـهـ­ا عـلـى قـمـة الــعــالـ­ـم ألطـــول فــتــرة مـمـكـنـة. وأهـــم الـ «وســائــل» الـتـي تتبعها أمـريـكـا لتحقيق هــذا الــهــدف، هــي العمل املتواصل على: 1 - تقوية الذات، 2 - إضعاف املنافسني، 3 - هزيمة األعداء. أمريكا، كأي دولة، تسعى لتحقيق مصالحها املادية، التي تتمثل في املوارد املادية املختلفة، ومصالحها العقائدية (املعنوية) التي غالبا مـا تتمثل فـي قيم الرأسمالية والـديـمـو­قـراطـيـة.. أي السعي لـنـشـر الــرأســم­ــالــيــة، ودعــــم الــديــمـ­ـوقــراطــ­يــة فــي أغــلــب (ولــيــس كل) مناطق الـعـالـم. كـل مـن يقف ضـد هــذه املصالح يعتبر منافسا أو عــدوا ألمريكا. إن أبــرز املنافسني ألمريكا اآلن هـم: الصني، روسيا وحلفاؤهما. أما األعداء، فيأتي في مقدمتهم: اإلرهاب، الذي تحاربه أمريكا بشتى الوسائل، ومنها أحيانا استخدام اإلرهــاب ملحاربة اإلرهــــا­ب. أضــف إلــى ذلــك: انـتـشـار التسلح الــنــووي، وتــزايــد نشاط التيارات اليسارية السياسية املختلفة. وبالطبع، فإن إقامة «تحالفات جهوية» تعتبر وسيلة أمريكية رئيسة لتحقيق املصالح األمريكية خــارج الــحــدود. ومــا زالت هـــذه الــتــحــ­الــفــات قــويــة وراســـخــ­ـة، تــخــدم أمــريــكـ­ـا وحلفاءها.. وتسهم بفعالية في تحقيق أهداف السياسات األمريكية. ومما يقوي هذه التحالفات كون أعداء أمريكا هم أيضا أعداء ملعظم الحلفاء. وتتجه أمريكا اآلن لتحميل الحلفاء في أوروبا وخارجها كامل تكلفة هــذه الـتـحـالـ­فـات.. بحجة أنـهـا تـقـوم بـــ «حــمــايــ­ة» هؤالء الحلفاء، وال تريد تحمل أي تكلفة... رغم أن أمريكا هي املستفيد األول من هذه التحالفات، خاصة في سعيها للهيمنة الكونية.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia