سنوات العزلة.. زمن الصحوة!
يطيب للبعض أن يذكرنا هذه األيام بالتوقف عن نقد الصحوة، زاعمًا أنها صفحة تنطوي بخيرها وشــرهــا وال يـجـب أن نــمــارس مــا كــانــت تمارسه الصحوة بثقافتها املمعنة فـي اإلقـصـاء ورفض اآلخر وتصنيف املجتمع إلخ، وهذا الرأي صحيح لو كانت الصحوة حركة أو فكرة انتشرت في وقت محدود ومرت دون أي تأثير، ولكننا نتحدث عن حقبة زمنية امتدت لعقود، ومـن األمـانـة األدبية أن نــشــرحــهــا نــقــدًا وتــوضــيــحــًا إن لـــم يــكــن لهذا الجيل فلألجيال القادمة وللتاريخ، فمن يذكرنا دائمًا بالنبل وأخالق الفرسان أود أن أذكره بأننا لسنا في حرب أو حلبة صراع بل نحن مؤتمنون أدبــيــًا بـتـأريـخ األحــــداث الـتـي عصفت بمنطقتنا وعـلـى أرض وطـنـنـا تـحـديـدًا وكـــان لـهـا تأثيرات قـــويـــة اســـهـــمـــت فــــي تـــصـــدع قــيــمــنــا وتشويهنا سوسيولوجيًا مما يستدعي بل يحتم علينا النقد والتوضيح والتشريح والتأريخ أيضا، وإسقاط هـذه الحقبة برمتها بزعم «عفا الله عما سلف» هو ضرب من التسطيح وطمر لتاريخ موغل في األيديولوجيا التي عبثت بجيل بأكمله! لو أردنــا أن نختصر مجتمعنا بمشهدين خالل أربــــعــــة عـــقـــود فــســتــكــون كـــالـــتـــالـــي: فــــي املاضي كــان الـطـريـق يتسع لـلـرجـال والــنــســاء، فالجيران يسلمون على بعضهم البعض ويتبادلون أطراف األحاديث والطرائف بكل نقاء وطيب نوايا، بينما فـي زمــن الصحوة وحـتـى زمننا هــذا إلــى حـد ما الــنــســاء بـمـعـزل عــن الــرجــال ولـــو حـــدث أي حوار فهو إيـذان بقيام الساعة حسب أدبيات الصحوة وغالتها! الـــصـــحـــوة طــمــســت الــكــثــيــر مـــن قــيــمــنــا، طمست بـــراءتـــنـــا، طــمــســت ثــقــتــنــا بــبــعــضــنــا، باختصار شوهتنا ومسخت هويتنا، وقــد شـاهـدت فيديو لرجل مسن يشكو حالنا اآلن مـن توجس وسوء ظنون قياسًا بسماحة املجتمع في السابق، كان يتحدث بطريقة تأسر القلب وتجعلنا نتمنى أن يعود الزمن لنعيش تلك األلفة واملحبة واألخوة ! (سندمرهم اآلن وفـــورًا) قالها ولــي العهد األمير محمد بن سلمان بكل شجاعة ونشوة وزهو، نعم سـنـدمـر الـتـطـرف ونـعـيـش حــيــاة أجــمــل مـمـا كان يحكيها ذلــك املــســن، سنعيش الـحـاضـر بجماله ونــعــيــش املــســتــقــبــل بــمــفــاجــآتــه بـــال صـــحـــوة وال تــطــرف، فما ذهــب مــن ســنــوات (الــعــزلــة) كــاف ألن يجعلنا نقف بكل بسالة أمــام أي فكرة طارئة
لنقتلها في مهدها ودون هوادة!