الفساد.. عندما لم ُيبِق حجرًا على حجر !
ما حصل لم يكن سرقة، لم يكن فسادا، لم يكن تكسبا، لم يكن تــجــارة، هــو أقـــرب إلـــى غـــزو ملـجـمـوعـات مــن الــفــاســديــن فعلوا مــا فعله «املــغــول» فــي بــغــداد، بـغـض الـنـظـر عــن األســمــاء التي ستخضع للقانون الذي سيبرئ البريء ويدين املتورط، إال أن مبدأ الفساد نفسه لم يبق على خريطة الوطن حجرًا على حجر من الجوف شماال إلــى جـــازان جنوبا ومــن جــدة غـربـا حتى الــدمــام شـرقـا، هـل تعلمون ماذا حصل في بغداد لقد انهارت وانتهت تلك الدولة العظمى، فهل كنا ننتظر أن تنهار بالدنا. لقد وصل الحال بخزينة الدولة أن شارفت على اإلفالس، في مقابل تدفقات نقدية هائلة انهمرت على وزارة املالية في سنوات الطفرة لم تخطر على بال أحد. لعلنا نركز على مشاريع «الحرمني الشريفني»، فهي األكثر إيالما لنا جميعا، كمثال على مـا حصل مـن استباحة لكل املـحـرمـات، أليست أقــدس البقاع، والدولة تسخر كل طاقاتها من أجل خدمتهما والتسهيل على املسلمني، ألم نر ملوك السعودية منذ املؤسس وهم يتفانون في خدمتها، بالتأكيد أنجز الكثير إال أن السؤال موجه للوزراء والشركات والتنفيذيني الذين أشرفوا على تلك األعمال واألمانة الثقيلة املوكلة إليهم كيف خاطروا بها. هل يمكن أن نصدق أن عاقال مد يده في ذلك املشروع «املحرم» على اإلنسان في أرضه أن ينزع شجرة أو ورقة أو يحدث منكرا، وهو يعلم مدى كارثية ما يعمله، كان الفساد يبتز الدولة لدفعها دفعا إلنفاق أضعاف أضعاف التكلفة الحقيقية تحت ذلك الغطاء الشريف. من يصدق ما حصل في الحرمني من هدر لألموال، الكثير ال يعرف كيف أن بعض املتنفذين رسموا خطتهم قبل التوسعة، كانوا يعلمون أن هذه الدولة ال يمكن أن تتوانى ولو للحظة عن خدمة الحرمني، وعندما يتعلق املوضوع بالحرم الشريف فإن األرواح والجوع والفقر ليست سوى ثمن زهيد. أســســوا الــشــركــات واشـــتـــروا بــيــوت الــفــقــراء بــأســمــاء وهـمـيـة قـبـل أن تنزع ملكياتها، ورسموا الطرق في اتجاه أمالكهم الجديدة؛ ألن املسألة لم تكن بضعة ماليني، بل مئات املليارات غير املبررة. ال يمكن أن تسير خدمة الحرمني والسرقات في خط متواز، وال يمكن قبول «خــدمــة الــحــرم وخــدمــة ضـيـوف الــلــه» مــبــررا لـسـرقـة األمــــوال الـعـامـة، نزعت امللكيات ونهبت خزينة الدولة التي دخل عليها أكثر من 7 تريليونات ريال. تـم تعظيم سعر املـتـر إلــى عـشـرات اآلالف بـل وصــل ملـئـات اآلالف فصعدت قيمة البناء وأصبحت مكلفة على الـدولـة وعلى الحاج واملعتمر، وبنيت على حـس الـحـرم قـصـور وشـالـيـهـات ومــــزارع، وكلها حـولـت على فاتورة الحرم الشريف. هل يعقل أن سعر متر بناء الحرم هو األعلى واألغلى في تاريخ البشرية، ال يوازيه حتى املفاعالت النووية، وال محطات الفضاء، وال أكثر القواعد العسكرية املبنية تحت األرض واألكثر تعقيدا وحساسية، لقد كانت أمواال سهلة بتسعيرة غير مبررة. القضية ليست فسادا عاديا يمكن أن يتحمله أي اقتصاد كما كل الدول، لقد كان عمال ممنهجا للقضاء على «الدولة السعودية» وتحويلها إلى دولة مفلسة ودفعها لحافة االنهيار. مــا حــصــل لـلـحـكـومـة أن نــوايــاهــا الـحـسـنـة بـتـحـقـيـق االزدهــــــار والتنمية املـسـتـدامـة وجــــودة الـحـيـاة ملـواطـنـيـهـا اصـطـدمـت بـالـتـأكـيـد بــجــدار الهدر الكبير وتضخيم الفواتير، فأصبحت الخزينة تلهث وال تستطيع أن تفي باالحتياجات الهائلة لبلد بحجم السعودية. مواطنو اململكة سيصبحون فـي حــدود الـــ05 مليونًا فـي غضون سنوات قـلـيـلـة، والــشــبــاب وصــغــار الــســن مـمـن تـقـل أعــمــارهــم عــن 30 سـنـة حاليا، سيتحولون إلى أصحاب أسر ولديهم أطفال ويحتاجون ملزيد من املدارس واملستشفيات والــطــرق والـخـدمـات البلدية والـطـاقـة، ويـجـب أن تـوفـر لهم الحياة الكريمة وبتكلفة معقولة.