الذين اعتبروا العناية باآلثار شركا
جنى على تاريخ الجزيرة العربية القديم ســـــوء الـــفـــهـــم ملــعــنــى «الـــجـــاهـــلـــيـــة»، حني تــــجــــاوزت املــعــنــى الـــديــنـــي لــتــشــمــل كافة الــجــوانــب اإلنـسـانـيـة والـحـضـاريـة والـثـقـافـيـة للعربي الـقـديـم الـــذي كــان يستوطن بـقـاع الـجـزيـرة ومراكزها الــحــضــاريــة فــي مــكــة ويــثــرب والــيــمــامــة وهــجــر، وزاد األمر سوءا والجهل بتاريخ هذه الحواضر ما اعتبره البعض من أن العودة إلى تاريخ ما اعتبروه جاهلية من تاريخ الجزيرة هو ضرب من الجاهلية كذلك. وبلغ التجهيل بتاريخ الجزيرة أن عد املتشددون البحث في اآلثــار التي يمكن أن تكشف لنا مـا نجهله مـن تاريخ تـلـك الـحـقـبـة مــن تـاريـخـنـا أمـــرا يـمـكـن أن يـفـضـي إلى الشرك، وذلك أنهم توهموا أن في الكشف عن تلك اآلثار تعظيما لها يتعارض مع العقيدة، وليس ببعيد عنا مـا قامت بـه إحــدى الجامعات آنــذاك مـن إلـغـاء مسمى قـسـم اآلثـــار الـــذي كــان مـزمـعـا افـتـتـاحـه وتـحـويـلـه إلى قـسـم الــحــضــارة اإلســالمــيــة، ومـمـا يستطرف آنـــذاك أن تلك اللجنة الثقافية في تلك الجامعة، وقد كنت عضوا فيها، دعت الشيخ حمد الجاسر إللقاء محاضرة فيها، واختار الشيخ ملحاضرته عنوان «اآلثار في مكة»، إال أن إدارة الجامعة حولت عنوان املحاضرة حني تم اإلعالن عنها إلى «التراث في مكة». لم يكن الذين تجاوزوا بمعنى الجاهلية ما كانت تدل عليه مـن معنى جاهلية املعتقد يجهلون أن إشارته صــلــى الــلــه عــلــيــه وســلــم إلــــى أنــــه جــــاء مــتــمــمــا ملكارم األخالق تعني في ما تعنيه أن ذلك املجتمع الذي كان موجودا قبل البعثة مجتمع قيم وأخالق وليس له أن يكون كذلك إال إذا كان مجتمعا متحضرا منفتحا على العالم متواصال مع ما حوله من الحضارات، وذلك ما أكدته عمليات البحث اآلثاري على قلتها وعلى رأسها اكتشاف مدينة الفاو والجهود العظيمة التي قام بها الدكتور األنصاري في هذا املجال. لهذا كله فإن علينا أن ندرك أن االهتمام بتاريخ الجزيرة العربية قبل اإلسالم إنما هو جزء من حركة التصحيح التي تقوم بها اململكة والتي تهدف إلـى التأكيد على العمق الحضاري إلنسان هذه األرض.