جتديد الدين
الــذيــن يـطـالـبـون بـتـجـديـد الــديــن، ال أظنهم يعنون تغيير شــيء فــي أصــول الــديــن، وما يغلب على الظن أنهم يعنون تغيير بعض مـــا احــتــوتــه كــتــب الـــتـــراث الــديــنــيــة مـــن آراء بشرية، مثل أقوال املفسرين والفقهاء وبعض ما استنبطوه من أحكام مبنية على القياس، مـمـا يــدخــل فــي بـــاب االجــتــهــادات الفقهية، الـتـي اتـخـذت فيما بعد قـاعـدة ثابتة تبنى عليها أحكام وأنظمة وعقوبات وغير ذلك. واملـطـالـبـة بـمـراجـعـة كـتـب الــتــراث الدينية وتغيير بعض ما ورد فيها من آراء وأحكام وأنــــظــــمــــة، هـــــو أمــــــر جــــائــــز ال يـــحـــق ألحد االعتراض عليه، بل إنه مطلوب، ألنه يساعد على حماية الدين من أن تتسرب إليه أخطاء املـجـتـهـديـن فتلتصق بــه كـمـا لــو أنــهــا جزء أصيل فيه. إال أن مــا يـضـعـف مــوقــف الــذيــن يطالبون بـــتـــجـــديـــد الـــــديـــــن، وقــــوعــــهــــم فـــــي غلطتني جـوهـريـتـني تــفــســدان عليهم بــلــوغ غايتهم وتؤلبان الكثيرين ضدهم. أولــى هاتني الغلطتني سـوء األسـلـوب الذي يتبعونه عند طرح أفكارهم أو عند الخالف مــع املــعــارضــني لــهــم، فــهــم غــالــبــا تــفــوح من تعبيراتهم رائحة كراهية وغضب، وسخرية واستخفاف. وهــــذا األســـلـــوب ال يــتــوقــع لـــه الــنــجــاح في تحقيق الغاية املرجوة، فضال عن أنه يزيد في تعميق الفجوة بينهم وبـني املعارضني واملــعــاديــن لــهــم، فـيـظـلـون يــتــبــادلــون معهم التراشق بالكراهية. والغلطة الثانية، هي أنهم ال يكلفون أنفسهم الــتــعــمــق فـــي فــهــم مـــا يــنــتــقــدون وينادون بتغييره مما جاء في تلك الكتب، فهم غالبا ال يحرصون على قـراءة النصوص الدينية الــثــابــتــة قــــراءة جــيــدة الســتــيــعــاب معانيها ودالالتـــهـــا بـــصـــورة واضـــحـــة وشــامــلــة، وال يــبــذلــون جــهــدا فــي فــهــم الــجــوانــب اللغوية والتاريخية الـتـي ترتبط بـهـا، مكتفني بما يــحــمــلــونــه مـــن مــعــرفــة ســطــحــيــة، واملعرفة السطحية هــي مـعـرفـة جـزئـيـة غـيـر شاملة، فيكون نقص معرفتهم بما ينتقدون، سببا فــي وقــوعــهــم فــي أخــطــاء تـضـعـف موقفهم، فــيــجــد مــعــارضــوهــم حــجــة قـــويـــة ملهاجمة دعوتهم اإلصالحية. من يخوض معركة يرجو الفوز بها، ال بد له من التسلح باألسلحة املناسبة لتعينه على تحقيق الفوز الذي يتطلع إليه، ولكي ينجح املــطــالــبــون بــتــجــديــد كــتــب الـــتـــراث الدينية في تحقيق أهدافهم اإلصالحية، ال بد لهم مــن التسلح بـقـدر واف مــن املـعـرفـة الدينية والـــلـــغـــويـــة، وبـــمـــهـــارة عــالــيــة فـــي أساليب الــحــوار الـهـادئـة الخالية مـن الشحناء ومن تعمد استفزاز اآلخر. حني تكون الرغبة في اإلصالح هي املسيطرة، فـــإن املــصــلــح غــالــبــا يـتـبـع الــســبــل اللطيفة، أمـــــا حــــني تـــكـــون الـــرغـــبـــة، مـــجـــرد االنتقاد واالستمتاع بإظهار النقص وكشف العيوب، فـــإن ألـــفـــاظ الــكــراهــيــة والــتــهــكــم والسخرية وغيرها مـن أساليب العنف اللفظي، تكون هي السبيل املتبع.