مكافحة الفساد.. النسخة السعودية

ال أعتقد بأن عبارة تعالج أوجاع الناس وتضرب على أوتارهم أكثر من «مكافحة الفساد»، فال أحد يتصور وقع هذه الكلمة في ضمير املــواطــن الـسـعـودي ومركزيتها فـي وجــدانــه الــعــام، بعد أن طغت وتجبرت منظومة الفساد العام وتباهت بسرقاتها وممتلكاتها، بشكل لم يسبق له مثيل حتى غدت حكاياتها وأساطيرها حديث املجالس، وأضرت بقوت املواطن وموارد البالد. كــنــت أردد إبــــــان حــقــبــة إقــــامــــة هــيــئــة مــكــافــحــة الـــفـــســـاد وطرح اإلسـتـراتـيـجـيـة الـوطـنـيـة ملـكـافـحـة الــفــســاد ومـــا صــاحــب ذلـــك من عناوين براقة وطروحات صاخبة ألهبت الوجدان العام بأنه إذا توفرت اإلرادة السياسية فسوف تتحقق هذه املكافحة بشروطها املطلوبة، بالهيئة أو بدونها، وإذا لم تتوفر أو لم يحن أوانها فإن إقامة هذه الهيئة لن تجدي نفعا إال في سبيل امتصاص مشاعر الرأي العام وكسب مزيد من الوقت وهذا ما حصل. واليوم ها هو كالمي يتحقق بــاإلرادة السياسية حتى ومن دون دور يذكر للهيئة نفسها، بعد أن توفرت اإلرادة السياسية الصادقة ولــم تعد الهيئة عندئذ تشكل ســوى تــرف تنظيمي، وألنــه لـو تم تفعيل بقية مؤسسات الرقابة العامة وحوكمة األجهزة الحكومية فإننا قد ال نحتاجها شأننا في ذلك شأن الدول النظيفة ماليًا. يوم اإلثنني 6 نوفمبر كانت اململكة موضوع افتتاحيات صحف العالم الرئيسية، وشكلت هـذه األحــداث العناوين الرئيسية لكل البرامج السياسية في الفضائيات العاملية، وكــان الحديث يدور حـــول الــتــحــول الـكـبـيـر فــي الــبــالد لــدرجــة أن أحـــد أعـــــداء اململكة التاريخيني قــال بــأن اململكة تسير على خطى الصني فـي عملية االنــفــتــاح والـتـطـهـيـر مــن الــفــســاد، وأن األمــيــر مـحـمـد بــن سلمان يقتفي أثــر «ديـنـج هسياو بنج» الــذي أدخــل إصـالحـات سياسية واقتصادية ألول مرة والقت مقاومة هائلة وعنيفة وتطلبت ثمنا باهظا وتضحيات كبرى لكنها في نهاية املطاف نجحت وانتشلت البالد من الفقر إلى الغنى لتؤرخ هذه الحقبة بداية صعود الصني من العالم الثالث إلى العالم األول. نملك مقدرات هائلة وحظوظا كبرى للحاق بـدول كانت أقل منا بكل شيء، ولم يكن يقف بيننا وبني تحقيق التحول سوى الفساد اإلداري أوال واملالي ثانيًا، والذي بتجاوزه يمكن للبالد أن تعود وتلحق بالدول املتقدمة، رافعة دخل الفرد إلى أكثر من الضعف خالل سنوات قليلة بحول الله.