رد الصاع إليران
كــــــان أمــــــــرًا مـــثـــيـــرًا لـــلـــدهـــشـــة تـــعـــجـــب بعض املــراقــبــني الــعــرب وتــســاؤالتــهــم عــبــر وسائل اإلعـــــالم حــــول أســـبـــاب الـتـصـعـيـد السعودي ضــد الـبـلـطـجـة اإليــرانــيــة فــي املـنـطـقـة وفـــي هـــذا التوقيت؛ فاملسألة لـم تعد تحتمل أي تـأويـل منذ أمــد بعيد، بعد أن وطئت أقدام النظام اإليراني «خمس» عواصم عربية إحداها خليجية، وعاثوا فيها فسادًا وسعيًا لتخريب كل معالم دولة املـؤسـسـات والــقــانــون والــوقــوف ضــد أي مظهر مــن مظاهر املدنية والتطور، وكان من آخر تداعيات التدخالت اإليرانية فــي شــــؤون دول املـنـطـقـة ومــشــروعــهــا الــتــوســعــي، استقالة رئيس وزراء لبنان خوفًا على حياته من مؤامرات حزب الله اإليــرانــي، ثــم تـالهـا سـقـوط صـــاروخ باليستي إيــرانــي على العاصمة الــريــاض، فهل يتوقع هــؤالء مـن السعودية أن ال تصعد وتتمسك بـ «حق الرد» والتصدي للمساعي اإليرانية الرامية لإخالل بأمننا الوطني؟! لقد دأبت الحكومة الثيوقراطية في إيران منذ ثورة فبراير 1979 عــلــى تــصــديــر الــفــوضــى لـلـمـنـطـقـة من خالل خلق شراكات إستراتيجية مع عصابات طائفية بـهـدف تحقيق تطلعاتها فــي اتساع رقــعــة نــفــوذهــا اإلقـلـيـمـي، مـعـتـمـدة عـلـى ثالث إستراتيجيات أسـاسـيـة: «تسليح امليليشيات املناهضة لدولة املؤسسات والقانون، وإرهاب الــــــدول والـــحـــكـــومـــات، ونــشــر الــفــن الطائفية واملـــــذهـــــبـــــيـــــة»، فـــنـــجـــم عـــــن هـــــــذه السياسات التخريبية، نـشـوب حــرب الخليج األولـــى بني الـــعـــراق وإيـــــران عـــام ،1980 وتــفــاقــم الصراع خــالل فـتـرة الـحـرب األهـلـيـة فـي لبنان بتدخل الــحــرس الــثــوري عــام 1982 وتأسيسه لحزب الــلــه لـتـمـتـد الــخــالفــات فــي لــبــنــان إلـــى يومنا هــــذا، وكــذلــك الــحــرب األهــلــيــة فــي أفغانستان ،1989 ودعـــم تأسيس حـركـة «الـشـبـاب املــؤمــن» فــي صعدة بـالـيـمـن عـــام 1992 واملــعــروفــة حــالــيــًا بـــ «أنـــصـــار الــلــه» أو جماعة الحوثي ودعمها مباشرة في حربها ضد الحكومة اليمنية )2011-2004( وفـي اشتباك الحوثيني مع القوات السعودية فـي الحد الجنوبي ،2009 ودور إيـــران الدموي في الحرب األهلية السورية منذ ،2011 والحرب األهلية في العراق ،)2011( وأخيرا وليس آخرًا، الدعم اإليراني مليليشيا الحوثي واملساهمة في االنقالب على الحكومة الشرعية في اليمن 2015 وتقديم الدعم اللوجيستي للحوثيني بتهريب األسلحة والـصـواريـخ البالستية وإرســـال وكالئها لتدريب عناصر الحوثي على اسـتـخـدام هــذه األسلحة ضـد أهداف مدنية. وبـــعـــد كــــل هـــــذا الـــتـــدنـــيـــس لـــــألراضـــــي الـــعـــربـــيـــة، لــــم تجد الشخصيات القيادية فـي نـظـام املـاللـي حـرجـًا مـن التبجح بـالـتـصـريـح علنًا حــول سيطرتها عـلـى عــدد مــن العواصم العربية، ففي 2015 قال حيدر مصلحي، وزير االستخبارات اإليـرانـي السابق في حكومة نجاد، إن «إيــران تسيطر فعال على أربــع عـواصـم عربية»، مضيفًا أن «الـثـورة اإليـرانـيـة ال تـعـرف الــحــدود، وأن جماعة الحوثيني فـي اليمن هـي أحد نتاجات الثورة اإليرانية»، وفي ذات الفترة، قال نائب قائد الــحــرس الــثــوري اإليــرانــي الــجــنــرال حـسـني ســالمــي، لوكالة مهر اإليرانية، إن «املسؤولني في إيران لم يكونوا يتوقعون هـــذا االنــتــشــار الــســريــع لــلــثــورة اإلســالمــيــة خــــارج الحدود لتمتد من الـعـراق إلـى سورية ولبنان وفلسطني والبحرين والــيــمــن وأفــغــانــســتــان»، فــي حــني اعـتـبـر مـسـتـشـار الرئيس اإليـرانـي لشؤون األقليات علي يونسي أن العراق «عاصمة إلمبراطورية إيران الجديدة»، وفي ذات السياق، صرح نائب قائد فيلق القدس اللواء إسماعيل قائاني لوكالة «فارس» التابعة للحرس الثوري اإليـرانـي، قائال إن «إيــران مستمرة بـفـتـح بــلــدان املـنـطـقـة وإنــهــا بـــدأت بسيطرتها عـلـى كــل من أفغانستان والـعـراق وسـوريـة وفلسطني، وتتقدم الـيـوم في نفوذها في بقية بلدان املنطقة». ال شك أن إيران دولة مارقة، ال تعترف باألنظمة والـــقـــوانـــني الـــدولـــيـــة وال تــلــتــزم باملعاهدات واملــواثــيــق وال تـحـتـرم ســيــادة الـــدول وال تأبه بمبادئ حسن الجوار وفقًا لألعراف واألنظمة الدولية، ولم ولن تجني أي دولة من الدول التي يتواجد النظام اإليراني على أراضيها، سواء بـشـكـل مــبــاشــر أو بــالــوكــالــة، أي فــائــدة سوى الفن والخراب والدمار، ولن تتخلص السياسة اإليــرانــيــة مــن األيــديــولــوجــيــات الـتـي تتبناها ومشاريعها التوسعية فـي املنطقة إال برادع عسكري، وهذا هو الواقع، حيث لم تجد معها سلسلة طـويـلـة مــن الـعـقـوبـات الــدولــيــة، فمنذ حادثة اختطاف الرهائن األمريكيني عام 1979 والــواليــات املـتـحـدة تـفـرض على إيـــران عـقـوبـات اقتصادية متعددة لكبح نشاطها النووي املشبوه ودور الحرس الثوري في نشر أسلحة الدمار الشامل، وفي الفترة ما بني 2006 إلى ،2010 أصــدر مجلس األمــن الــدولــي 6 قـــرارات بحق إيران، من بينها القرار 1929 الذي يفرض منع إيران من املشاركة في األنشطة املتعلقة بالصواريخ البالستية وتشديد الحظر املفروض على هذه األسلحة، ومع ذلك ال تزال إيران ماضية قدما في انتهاكاتها وتهديدها لألمن والسلم العاملي. وأمام هذا الهجني من التبجح والبلطجة واالزدراء والحقد اإليـــرانـــي، واالنــتــهــاكــات الــصــارخــة لـــقـــرارات مـجـلـس األمن وخاصة القرار ،)2216( اقترب موعد دفع الثمن؛ إذ ال يعني أن اململكة وسياستها املتزنة في التعامل مع ملفات املنطقة املضطربة بحكمة وصبر أن يفهم بأنه ضعف، فأي عدوان مباشر أو غير مباشر سيقابله «حق الرد» دفاعًا عن أراضيها وشعبها ومصالحها وبما يكفل ردع املعتدي.