Okaz

إن الفقد يا منصور كبير وفاجع

- المحامي شافي بن خميس العجمي -

لم يكن رحيلك أيها األخ العزيز فاجعة لوالديك وال لألقربني فقط؛ بل لكل من صافح يمناك أو طالت أذنه سماعًا عنك، وليس للوطن في خسارتك إال العزاء في كل مآثرك وعملك وصدقك. عندما بدأ وطنك العزيز يجدد في قياداته ومسؤوليه كنت عالمة هامة في مرحلة التحول وكنت محل الثقة وعنوان التجديد الصالح لزمانه وأهله، وكنت الخيار األمثل للتقدم في املشهد وفي صـورة الوطن. لقد استقيت معارفك وتـجـاربـك منذ ســنــوات طويلة تحت ظــل والـــدك حفظه الــلــه، وتــدرجــت فــي العمل اإلداري منذ أن كان أميرًا ملنطقة املدينة املنورة التي بذرت فيها أول جهودك بقيام جامعة األمير مقرن مؤمنًا بأن العلم هو أول رسالة ال بد أن يتم تبليغها من مدينة الرسول الكريم يوم قلت: «إن فكرة إطالق مشروع الكليات في املدينة املنورة تعتمد، وفـق رؤيــة األمير مقرن بن عبدالعزيز، أن تكون املدينة مصدرا لطلب العلم كما كانت في عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)». لم يكن هذا نهاية املثابرة والعمر وأنت الذي عاصر كل التجارب اإلدارية والعسكرية لوالدك الوطني املعطاء؛ ودرجت على االنضباط الشخصي والعملي، وارتقيت في املناصب حتى وصلت ملرتبة مستشار بديوان ولي العهد. لم يكن هذا وليد مكانتك االجتماعية أو مكتسبًا من أسرتك العريقة؛ بل هو نتيجة ما بنيته لذاتك وسجلت فـي تاريخك النظيف. ال أحــد فـي هــذا الـحـزن يسعه كتابة مناقبك ومـواقـفـك، وال إحصاء محاسن يـدك بني الناس، فهذا األلـم يعطل كلمات الثناء ونعجز عن ذكر مواقفك.. كنت ال تتوقف عن كلمة «أخـي» في دفع مساعديك وموظفيك وزمالئك في خدمة هذا الوطن املجيد، وهي الكلمة التي أشاعت الرحمة والود في محيطك وأسدلت ظال ظليال من التعاون والنجاح لكل من عمل في إمرتك الصالحة. ومنذ أول يوم التقيتك فيه في صرح الجامعة باملنطقة الشرقية وجدت فيك نجيب العلم ومثال النباهة وامللهم إلى املعرفة ومنابعها؛ فلم تغب تلك املرحلة وال تلك الشخصية التي بقيت عليها وحرصت على سلوكها املستقيم حتى لقيت ربك وأنت في مضمار الوطن وأداء األمانة وخدمة الناس ورعاية مصالحهم... يـا منصور إن هــذا الفقد يـأتـي كبيرًا وفـاجـعـًا؛ فمثلك تــرك أثــرًا بـالـغ الحياة وغير قابل للنسيان.. جغرافية حضورك واسعة في هذا الوطن وأهله، فال نجود بالبكاء والحسرة فقط، بـل نجود بأعمارنا أن يلد فينا أكثر مـن منصور، وال يمكن لـه أن يخفف أسانا ومرارة رحيلك.. وما لي إال أن أقول بتصرف ما قاله غازي القصيبي في رحيل امللك خالد و«الجرح يضجه في كبده؛ فسرى بالجرح ال يلوي على أحد»: يـــبـــكـ­ــون مـــنـــك -وقــــــــ­د نـــــاحــ­ـــوا- عـــلـــى «أمـــــيــ­ـــر» أمــــــــ­ــــــــا أنــــــــ­ــــــــــ­ــا فـــــــــ­ــبـــــــ­ــــكـــــ­ائـــــي حـــــــــ­ــــــرقــ­ـــــة وجــــــــ­هــــــــك فـــــــــ­ـي روحـــــــ­ـــــــــي فـــــأســ­ـــألـــــ­ه بــــــــا­لــــــــل­ــــــــه! قـــــــــ­ـل لـــــــــ­ـي أهــــــــ­ـــــــــذ­ي يــــــــط­ــــــــوف الــــــــ­ولــــــــ­د فـــــــــ­رقــــــــ­ـة األبــــــ­ــــــــد

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia