العالم ينفض يديه من األيديولوجيا
انتهت املنطقة غالبا من حركات اإلسالم السياسي السنية بكل فوضاها ومشاريعها التخريبية في املنطقة، وجاء وقت مواجهة الشق اآلخر للتطرف في املنطقة واألكثر وحشية ودمـويـة؛ حركات اإلســالم السياسي الشيعي وتتضافر في هـذه الحركات عدة عوامل ساعدتها على أن تؤسس لكثير من مشاريع الخراب في املنطقة: دولة راعية ومتبنية لهذا املنهج العقائدي وميليشيات تنوب عنها في تنفيذ تلك املشاريع وتمدها باملال والسالح والتحشيد العقائدي واإلعالمي، وكان حزب الله في لبنان أكثر التجارب التي استطاعت أن تستمر وأن تمثل وكيال عربيا في املنطقة للدولة ذات املشروع الطائفي التخريبي. ورطــة إيــران ليست مـع الـريـاض وال مـع واشنطن وال مـع عـواصـم املنطقة؛ إنها ورطــة مـع الواقع الذي تترسخ فيه الدولة الوطنية وتتراجع فيه الدولة العقائدية ذات الرسالة األيديولوجية. مفهوم الـدولـة الوطنية ال يحظى بـأي حضور في الذهن السياسي اإليـرانـي وينعكس ذلـك في مختلف تحركاتها في املنطقة وتوقف إيران عن ذلك يعني أنها تعيد تشكيل بنيتها السياسية والفكرية التي تعلي من شأن الطائفية وتصدير الثورة وتجعل منها محورا أساسيا للدولة اإليرانية، وهو ما يخالف أبرز أشكال وقيم الدولة الوطنية الحديثة. الكيانات واألحــــزاب وحـتـى الشخصيات ذات املــشــروع األيـديـولـوجـي ال تجيد قـــراءة الــواقــع وال تحوالته، ذلـك أن أدواتـهـا الفكرية واملعرفية ليست أدوات حـرة إنما رهينة للعقيدة التي لديها، وبينما يتغير الواقع تظل تلك العقائد ثابتة وجـامـدة، ولذلك تــدور أكثر أدبياتها وخطاباتها حول التغني بالثبات والصمود، (هذا التركيز مرده إلى محورية الثبات كأبرز عناصر التفكير العقائدي) وهنا يحدث االشتباك مع الواقع. يــؤدي الثبات فـي الغالب إلــى حالة مـن الفساد الذهني والفساد فـي التعامل مـع الـواقـع وتتجه الكيانات األيديولوجية إلعادة إنتاج خطاباتها القديمة بلغة جديدة لكن دون جدوى. الثبات ليس على أفكار قادمة من املاضي فحسب، بل على أفكار مستقبلية قيلت في املاضي أيضا؛ ظهور املهدي وإقامة الخالفة العادلة يمثالن محورا مهما في تفكير التطرف الشيعي والسني، وهما فكرتان خالصيتان قادمتان من املاضي البعيد تحمل نبوءة باملستقبل البعيد وتصبح وظيفة العمل األيـديـولـوجـي هـي الـربـط بـني الفترتني والتحول إلــى قنطرة لتحقيق ذلــك الربط املستحيل. انهار االتحاد السوفيتي وانتهت تجربة اإلخوان املسلمني في الحكم وانتهت مختلف الجماعات والكيانات العقائدية األيديولوجية ولم يعد أمام ما بقي منها إال أن تتحول مليليشيات مسلحة، لجوؤها للسالح ليس خيارا وحيدا لكنه الطريقة الوحيدة لتؤثر في الواقع الذي بات يرفضها بالكامل. بينما يتحفز العالم املدني اليوم والقوى املعتدلة في املنطقة ملواجهة حزب الله في لبنان كما واجه الحوثيني في اليمن واإلخوان في مصر والقاعدة وداعش وغيرها، يتراجع عدد أولئك الذين مـازالـوا مفتونني بالحزب ومستعدين للدفاع عنه فال يوجد أي أفـق أمامه وال يحمل أي مشروع مستقبلي، شأنه شأن كل الحركات الدينية في كل العالم.