احلياة اإليجابية
ما تعيشه اململكة من تحول تنموي هو تغيير جـــوهـــري نــحــو املــســتــقــبــل، وهـــــذا تـــوجـــه نحمد الله عليه، فهكذا الدنيا وسنة الكون ونواميس الــحــيــاة ملــن يــأخــذ بــهــا ويــتــفــاعــل مــعــهــا، وبقدر تطلع الدول واملجتمعات نحو التطور واختصار زمنه واإلسـهـام فيه، تكون أســرع وصــوال وقدرة على االستمرارية بقوة ذاتية دافعة، شرط األخذ بــأسـبـاب ذلــك مــن اإلرادة والـتـخـطـيـط واألحالم املــمــكــنــة، وعــلــيــه يــحــتــاج هـــذا الــتــطــور إلـــى فهم طموحاته ودعمه طاملا فيه الخير لنا ولبلدنا، وما من أحد إال سيستفيد من هذا التطور وعليه أن يفيد بإيجابية. تــفــاصــيــل الـــواقـــع والــطــمــوحــات يــتــفــاعــل معها املجتمع كل بنظرته، وهـذا التنوع وإن اختلفت التصورات وحــدود الفهم وحتى حـدود األحالم للمستقبل هو أمر طبيعي، وكلما كان الحوار في التفاصيل واعيا واالتفاق على األهداف الطموحة جامعا، كان الخير للوطن عميما مثمرا ألبنائه بوقود اإلرادة والعمل وبالرأي والفكر طاملا كان إيجابيا يبني وال يهدم، يثري الحياة ال يعطلها بجمود أو شطحات وضالل هـدام، وبالدنا على مدى تاريخها وسطية املنهج والحياة لم تعرف الـغـلـو وال مجتمعنا كـــان مـتـطـرفـا، إنــمــا عاش طويال بسماحة ديننا الحنيف وجماليات القيم. منطق األشــيــاء وطبيعة الحياة تـقـول، إنــه لوال التغير والـتـطـور مـا وصلنا إلــى مـا نحن عليه، وحـتـى املــاضــي الجميل مــن الــعــادات والتقاليد الـــتـــي عــشــنــاهــا وبــــاتــــت فــــي مــــخــــزون ذاكرتنا وذكرياتنا عن بساطة املعيشة والخدمات زمان، فــاملــاضــي مـضـى بـسـمـاتـه وأســـلـــوب حــيــاتــه، مع اليقني والتمسك بصحيح الدين وجميل القيم في كل زمان، لكن ما مضى من أنماط الفكر وخطوات زمان ال تصلح لحياة العصر واألجيال الجديدة التي تتعامل اليوم عبر العالم االفتراضي وثورة معلوماتية وأجهزة ذكية، وبالتالي ال األجيال اليوم والقادمة وال أجيال الكبار تستطيع العيش بــــأدوات 50 عــامــا مـثـال وهـــو زمـــن لـيـس بعيدا، وتلك هي حكمة التطور. عــصــر اإلنــتــرنــت لــه تــحــديــات جــــادة ألن الكلمة والـــصـــورة بــاتــتــا ســالحــا مـعـنـويـا مــشــاعــا دون تهيئة كافية ملسؤوليته، الذي يدعو إلى استدارة مجتمعية نحو استنارة حقيقية لحسن استثمار الــــثــــورة املــعــلــومــاتــيــة فــــي الــــوعــــي إلـــــى معرفة حقيقية بصحيح ديننا السمح، والوعي الوطني واألخـــالقـــي وثــقــافــة الــحــيــاة اإليــجــابــيــة وقيمة الــوقــت، وكــل ذلــك محصنات ضــد أخــطــار الهدم والتضليل وفساد األخالق. إنها مسؤولية فـرديـة وجماعية ومؤسسية في وطــنــنــا الــــذي يــنــافــح عـــن مـكـتـسـبـاتـه وصحيح الـــديـــن وهـــويـــة األمـــــة ووجــــودهــــا ومستقبلها، والواقع الحاصل في املنطقة من أزمات وفوضى ومــخــاطــر تـكـشـف حـجـم الــتــحــديــات وتستوجب املـــــزيـــــد مـــــن الـــيـــقـــظـــة واالصـــــطـــــفـــــاف ونتمسك بــأحــالم املستقبل فــي الـبـنـاء والــتــطــور، ونعززه باألمل والعمل والحوار الهادف حول قضايانا املجتمعية والتنموية لتقوية املنعة ضد سموم الفكر وفساد الهوى. أحــــالم الــوطــن هــي أحــالمــنــا جـمـيـعـا لحاضرنا ومستقبل أجـيـالـنـا ولــقــوة اقـتـصـادنـا الوطني، فالعالم ال يعرف سوى لغة املصالح وحساباتها، ومــصــالــحــنــا فــــي الـــعـــالـــم كـــثـــيـــرة ومتعاظمة، يقابلها مصالح كبيرة أيضا للعالم مع بالدنا الـتـي تخطو نحو التحول االقـتـصـادي بتنويع وتـــطـــويـــر مــــصــــادر الــــدخــــل الـــوطـــنـــي فــــي عصر االقتصاد املعرفي والتقنيات الحديثة والطاقة املتجددة. هــــذا الــطــمــوح لـلـمـمـلـكـة أدركــــــه الـــعـــالـــم، خاصة االقــتــصــاديــات الــكــبــرى والــــــدول املــتــقــدمــة التي تتقاطر فــي شــراكــات متبادلة للمنافع، فهؤالء ال يأتون إلينا بالعواطف إنما لفرص استثمار تــعــود عـلـيـهـم بـــأربـــاح مـشـاريـعـهـم وتقنياتهم، وعلينا أيضا بتوطني التقنية والخبرات لثروتنا الــبــشــريــة وتـــوســـيـــع مـــجـــال الـــتـــطـــور والتنويع الحديثة، وال مجال للتوقف وال للجمود املنافي لـنـوامـيـس الــحــيــاة والــفــطــرة اإلنــســانــيــة السوية الساعية إلى التطور واألحالم املشرقة.