محمد بن سلمان وتعزيز سلطة الدولة احلديثة
مـن دبــي، حيث أنـهـى زيــارتــه إلــى اإلمــــارات العربية املتحدة، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أنــه سيتوجه إلــى اململكة العربية الـسـعـوديـة مساء الــخــمــيــس املـــاضـــي فـــي زيـــــارة مــفــاجــئــة، لـــم تــكــن ضــمــن أجندته القريبة، مؤكدا أنه سيلتقي ولي العهد األمير محمد بن سلمان، إلجراء محادثات معه. فهل استوعب ماكرون أن املرحلة القادمة، ستفرج على معطيات جديدة، تقودها اململكة، وتؤسس لتغيرات إستراتيجية في املنطقة، وتؤسس لسيادة العربية السعودية محليا ودوليا؟ تأتي هذه الزيارة املفاجئة إلى اململكة العربية السعودية، بعد سلسلة الـقـرارات التي اتخذها ولي العهد الشاب، خاصة في ما يتعلق بمحاربة الفساد والرشوة والتي استدعت فيها سلطة القضاء أحد عشر أميرا وعشرات الــوزراء السابقني والحاليني ليلة السبت املاضي. وقد أثبتت التقارير التي رفعتها اململكة أمــام الــرأي العام الداخلي والدولي عن تحويل مبالغ قاربت 100 مليار دوالر على مدى ثالث سنوات. وتسبب الفساد في إهدار 800 مليار دوالر من إيرادات الدولة. واعتبر املختصون في االقتصاد أن خطوة اململكة في محاربة الفساد، تعد ثورة في العمق، فلم تستطع تلك الدول التي شهدت الربيع العربي أن تؤسس لخطوة مثل هذه حقيقية، ومدروسة من أجل بناء دولة تتعدى رؤياها حدود الريع النفطي. شـجـاعـة الـقـائـمــني عـلـى الـــدولـــة فــي املـمـلـكـة الـعـربـيـة السعودية مـن أجــل اسـتـرجـاع أصــول اململكة املخزنة فـي بنوك غربية مثل سويسرا وإيطاليا، ومحاسبة املتورطني في الفساد، تنبئ بثورة الدولة الحديثة، وبسط نفوذها في عالم يؤسسه نظام االنتقال لجيل ثالث، بقيادة شابة، تعي حجم املرحلة، وتستوعب مطالب شـعـوبـهـا. فـخـطـوة ولــي الـعـهـد الــشــاب، ستمنح الشهية لبعض الـــدول العربية الـتـي تـريـد بـنـاء دولــة عصرية وديـمـوقـراطـيـة أن تحذو حذو اململكة العربية السعودية. وفـــي الــوقــت الـــذي يـــروج فـيـه أعــــداء املـمـلـكـة لـبـعـض الشائعات، يبارك املختصون خطوة اململكة الجديدة، حيث اعتبرت بعض الشخصيات الـفـرنـسـيـة، أن مـوجـة االســتــدعــاءات هــذه تـأتـي في وقت يحاول فيه ولي العهد القفز باململكة العربية السعودية إلى مرحلة جديدة تواكب التحوالت العاملية وتعزز سلطة القانون وإدخال إصالحات اقتصادية واجتماعية لم يسبق لها مثيل في عالم املحافظني. فمن كان يعتقد أنــه سـيـأتـي يــوم يـقـف فـيـه األمــيــر والــوزيــر واملوظف املتورطون في الفساد أمـام العدالة ليواجهوا أسئلة: من أين لكم هذا؟ أو ما مصدر ثرواتكم؟. هدف ولي العهد األمير محمد بن سلمان هو تعزيز سـلـطـة الــدولــة الـحـديـثـة وتــجــاوز تــحــديــات انتشرت ولـم تفتح أفـق اململكة، ولـم تسرع من بناء اقتصادي يـتـجـاوز مرحلة مــا بعد الـنـفـط. ومــا رؤيـــة 2030 إال تــحــدي املـمـلـكـة الــقــادم لـبـنـاء دولـــة عـصـريـة وعاملية، معتدلة ومتسامحة ومفتوحة على العالم واألديان األخرى. واتضح جليا في قول ولي العهد إنه لن تمضي اململكة العربية السعودية في قضاء 30 سنة أخرى في الرضوخ لألفكار املتطرفة، ولكنها ستقضي عليها اآلن نهائيا مـن أجــل ترسيخ دولة التسامح والتعايش مع كل األديان والشعوب. مشكلة الـذيـن يتعاطون مـع الـشـأن الـسـعـودي الـيـوم والتغيرات املطروحة في اململكة، أنهم لم يستوعبوا أن زمن التكتم وسيادة سطوة املال والثروة قد مضى، وأن ثورة البناء بدأت باعتالء امللك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده محمد بن سلمان. فــال شــيء يـأتـي مــن الــعــدم، وال دولـــة تبنى إذا لــم يـسـدهـا العدل الــداخــلــي، الــــذي يـسـتـثـمـر فــي اإلنـــســـان أوال قــبــل االســتــثــمــار في الثروات، وقد فهم قادة اململكة العربية السعودية أن اإلنسان هو الثروة املستدامة.