بلد بال لصوص
يــبــدو أن إشـكـالـيـة الــفــســاد، تـرتـبـط تـاريـخـيـًا بـمـذاهـب كالمية، وفـلـسـفـيـة، مـنـهـا مــذهــب الــقــدريــة الـــذي يــذهــب إلـــى أن اإلنسان يخلق فعل نفسه، وأن الله تعالى لم يخلق أفعال العباد، ومذهب الجبرية أن العبد مجبر على أفعاله، وال اختيار له، وأن الفاعل الحقيقي هو الله تعالى، ومرد اإليمان أو الكفر إلى قوة وإرادة ال خيار لإلنسان معها، ولذا ال يعلم هل اإلنسان مخير أم مسير؟. عـلـى هـــذا يــتــولــد ســـؤال كـبـيـر وطــويــل هــو «مـــا فــائــدة الشرائع واألنـظـمـة والــقــوانــن؟ وهــل يمكن أن تجعل مـن الـفـاسـد بأصل فطرته صالحًا؟» واإلجابة على السؤال يلزم منها إثـارة كم من أسئلة حول قضية سوء الخلق، وتحتاج قبال إلى دراسات فردية معمقة لحياة وغرائز كل إنسان، كما يستوجب الجواب دراسات مجتمعية بـحـثـيـة، بحكم أن الــفــرد يـتـأثـر باملجتمع ويتطبع بسلوكه ويتخلق بطباعه، فاإلنسان ابن بيئته. بـحـكـم مـشـاهـداتـنـا الـيـومـيـة نـــرى الـتـنـاقـض مــاثــال بــن حرص بعض املسلمن على العبادات، وبن تفريطه في األخالق، وهناك شريحة متدينة ال تعي أن العقائد والعبادات، واملعامالت كلها إنما شرعت لتهذيب األخالق والسمو بها، ولذا يمكن أن يكون املصلي شرسًا أخالقيًا، والصائم نمامًا، وقـارئ القرآن حاسدًا، والــحــاج حــاقــدًا، واملــتــصــدق فــاجــرًا، والــداعــيــة كــذابــًا، والبكاء غشاشًا، واملتنسك حراميًا، ومن املفروغ منه أن هؤالء املرضى لن يعالجهم الوعظ الذي لم ينقطع منذ 14 قرنًا. نعود إلى قضية محورية تتعلق باملسافة املجهولة بن الدين وبــن الـتـديـن، فنحن متدينون، لكن ليس بـالـضـرورة أن نكون جميعًا مطبقن لنصوص وروح الدين الحق، فالتدين لحق به من العادات، والتقاليد، والطقوس، والتربية الخاطئة ما ألحق به التشويش، وهنا يأتي دور السلطة العادلة في تشريع الصارم مــن األنـظـمـة، وتطبيقها بـصـرامـة، حـمـايـة ألمــوالــهــا، وصيانة لسمعتها، وتفاديًا للنقمة الطبقية. كـم نـقـرأ آيــة «وإنـــك لعلى خلق عـظـيـم»، وآيــة «لـقـد كــان لكم في رســـول الـلـه أســـوة حـسـنـة»، وحــديــث «إنــمــا بـعـثـت ألتـمـم مكارم األخالق»، وغيرها من رسائل األديان اآلمرة بإعالء شأن األخالق، وتقديمها على غيرها من العبادات، إال أننا نجهل أن كل أمر من أوامر الله يرتبط بقيمة خلقية. يا رب تكون بالد العرب بال لصوص. أسيل عمران