أين الفلوس يا دعبوس؟

ﻋﻠﻰ ﺧﻔﻴﻒ

ظلت قضايا اإليجارات لعقود طويلة «أم القضايا» التي لم تزل تشغل أروقة املحاكم العامة والجزائية ومن فيها من قضاة وموظفني وما يتبعها من شرط وعمد أحياء، ألن بعض املستأجرين يماطلون في دفع ما عليهم من حقوق بعد قيامهم «باحتالل» العقار املؤجر لهم، ثم عـدم دفـع اإليــجــارات بل وعــدم إخـالئـه، ولـو عـرض املالك عليهم الــتــنــازل عــن بـعـض حـقـه مــن اإليـــجـــارات، حـتـى وصـلـت «الوقاحة» واالستهتار من بعض املستأجرين إلى حد قولهم ملالك العقار ليس لك شيء عندي.. وأمامك املحكمة أو البحر لتشرب منه ما تشاء أو تأخذ حجرًا من األرض فتضرب به رأسك حتى تسيل منه الدماء. وكان بعض املالك يبيع عقاره املؤجر على مجموعة من املماطلني بثمن بخس حتى يتخلص منه ومنهم، لعل املالك الجديد لديه قوة تحمل وصبر وجلد وقــدرة على مطاردتهم في املحاكم لشهور أو سنوات حتى ينظف العقار منهم. وقــد حـدثـنـي أحــد اإلخـــوة أنــه أجــر عــقــارًا يملكه إلســكــان الحجاج على أحــد األشــخــاص، ثـم رأى عـقـاره خــالل موسم الحج وقــد اكتظ بالحجاج مـن الدهليز حتى الـسـطـوح، فـسـره ذلــك ألنــه كــان يرجو لـلـمـسـتـأجـر الــربــح لــكــي يـتـمـكـن مــن الـــوفـــاء لــه بـــاإليـــجـــارات، ولكن «دعــبــوس»، وهـو اسـم فني مناسب للمستأجر، استلم اإليـجـار من الحجاج ولم يف للمالك حقه، فظل يطارده هاتفيًا ويقول له: أين الفلوس يا دعبوس؟! أمــا مــا بــشــر بــه املـجـتـمـع بصفة عــامــة واملــــالك بصفة خــاصــة فهو اإلجراء النظامي الحصيف النظيف، الذي بشرت به الدولة «ممثلة» فـي وزارة الـعـدل الـقـاضـي باعتبار عقد اإليــجــار املــوقــع بـني املالك واملستأجر «سند تنفيذ»، ال يحتاج ألن يمر في حالة عـدم الوفاء على املحاكم وإدارات الشرط وغيرها من جهات االختصاص، بل من حق املالك التوجه بالعقد إلى محكمة التنفيذ طالبًا تنفيذ ما جاء فيه من بنود وشروط وحقوق له بذمة املستأجر، وهذا اإلجراء يعني تخلص املحاكم من %50 من أعـداد القضايا التي تحول لها يوميًا، واختصار املدة املطلوبة لحصول املـالك على حقوقهم، ألن نظام محكمة التنفيذ واضح، فإما الدفع وفاء بالعقود وإما تطبيق مواد صارمة ضد املماطلني بعد إبالغهم بما عليهم من حقوق عن طريق جهات االختصاص واإلعالن في الصحف املحلية، ولكن هذا اإلجراء يعني تحويل آالف من عقود اإليجارات على محاكم وقضاة التنفيذ مما يتطلب تقديم دعم غير محدود لهذا النوع من املحاكم حتى تستطيع مواجهة ما تستقبله من قضايا حقوقية ســواء ما صدر حولها «أحكام قضائية» أم ما كان منها عقود إيجار اكتسبت قـوة سندات التنفيذ، مع العلم أن محاكم التنفيذ بــدأت في اآلونة األخيرة تعاني من وجود ضغط على قضاتها وموظفيها الستكمال إجراءات تنفيذ األحكام القضائية بسبب ما يحول لها من معامالت يومية فكيف سيكون الحال بعد تحويل عقود اإليـجـارات ملحاكم التنفيذ إذا لـم تتم املــبــادرة بتزويدها بالعدد الكافي مـن القضاة واملوظفني؟!