القحط العاطفي واإلنساني
هـالـنـي أخــيــرًا وضـــع بـعـض نسائنا الـــلـــواتـــي الــتــقــيــت بــهــن فـــي مناسبة اجتماعية. فشكواهن مضحكة مبكية عن الجفاف العاطفي واإلنساني الذي يعانن منه. واملـشـاعـر التي أتـحـدث عنها ليست بـالـضـرورة ما يخطر بالبال بن رجل وامرأة بل بن إنسان وإنسان آخر. والقصة بدأت حينما قالت إحداهن، وهي باملناسبة سيدة متقدمة بالعمر، إنها اضـطـرت ألخـذ سيارة أجرة وحينما جاء ت لتنزل من السيارة نزل السائق مسرعًا وحمل لها أغراضها وكــان في منتهى األدب والذوق معها لدرجة أنها قالت إنها شعرت بأنها في فيلم أبيض وأسـود أيـام الـذوق والشياكة واللباقة، وقالت «كم تمنيت أن يتعلم ابني منه، فابني لـم يحمل كيسًا عني يـومـًا ولم يفتح لــي بـابـًا أو يغلقه، بــل يطالبني باملأكوالت ويتفنن في التوحم على ما يصعب عمله مما ال يطالب به زوجته. وزوجــي رحمه الله بـس. في حياته ما قال لي كلمة حلوة أو عاملني كمخلوق بشري. حتى اسمي كـان ما ينطقه وال يـسـمـيـنـي إال «يـــابـــنـــت» داخـــــل البيت، «وياولد» خارجه. الحمد لله بس». ضـحـكـنـا، ثــم قــالــت ثــانــيــة: «حـيـنـمـا كــنــت مبتعثة ببريطانيا ذهبت مع ابني الصغير أول يوم دراسي، وهو يعاني من الديسلكسيا (صعوبة تعلم قرائية) وذكـــرت هــذا لـلـمـدرسـة، وحينما دخـلـت للصف إذا بـي أرى املعلمة وهــي سـيـدة جــادة ال تضحك أبدا. وظننت أنـهـا عنصرية ستكرهني بسبب حجابي وتمل من ابني بسبب الديسلكسيا، وتوجست منها خيفة. ولكنه عاد من املدرسة سعيدا ومنشرحًا وقال لي إنه حينما انتهى الـدرس وقـام الجميع اتجهت املـعـلـمـة نــحــوه مبتسمة وقــالــت لــه هــل تـحـتـاج أي مساعدة أو لديك أي أسئلة؟ أرجوك ال تترد فأنا هنا ألساعدك. ولم أصدق كم الحنان واالهتمام الذي أعطتني إياه وابــنــي تـلـك املـعـلـمـة وقـــد سـاعـدتـنـي لــلــوصــول إلى أخصائين ملساعدتنا. وكل يوم كنت ال أصـدق وال أستوعب أننا نستحق هذا االعتناء منها. وحينما عدنا بعد البعثة أدخلت ابني إحدى أفضل املدارس الخاصة بجدة ثم ذهبت ألخذه بعد أول يوم دراسة فوجدته منهارًا باكيًا؛ ألن املعلم أحرجه أمام الطالب، ألنــه لـم يستطع أن يقرأ القصيدة جـيـدًا. رغــم أنني أعطيت املدرسة تقريرًا عن حالته. ولكن املعلم قال له أنت لديك صعوبات تعلم وقول ألهلك يدخلونك مدرسة مخصوصة حرام عليهم يظلمونك، وكمان بدك معاملة خاصة هي مدرسة أبوك؟»
قــالــت واحـــــدة إن اإلنــســانــيــة واللطف انـــعـــدمـــا مــــن الـــبـــشـــر. وأضــــافــــت «فأنا حينما يعاملني أحدهم جيدًا أصبحت أقلق وأتوقع إما أنه يريد مني أخبارًا، أو مصلحة، أو ينوي لـي نية فلم يعد أحـــد يـضـحـك ألحـــد إال لــســبــب، وحتى زوجي صرت أستعيذ بالله منه حينما يـضـحـك. فــآخــر مـــرة قـابـلـنـي منشكحًا كانت عندما خطب امرأة أخرى»، وهنا عاد الجميع يتندر ويضحك. ثــم قــالــت أخــــرى: «أنــــا مــن كــثــرة تجهم زوجـــــي وقـــســـوتـــه اخـــتـــرعـــت لـــي زوجا خياليا في أحالم اليقظة ألنني يئست من الواقع، وطبعا هذا الشبح الخيالي حنون وطيب وكـريـم ودبلوماسي، يأخذني أحلى الــكــافــيــهــات ويــدعــونــي ألفــخــر املــطــاعــم ويسفرني حــــول الــعــالــم ويـــقـــول لـــي بــلــيــز وثـــانـــك يـــو وآي آم سوري حينما يزعلني، وتقمصت أنا الدور لدرجة أنني أحيانا أحدثه وآخذ رأيه في أمـوري وأحيانا نـخـتـلـف فــي الــخــيــال ونــتــقــاطــع ثــم يـهـديـنـي هدية خـيـالـيـة فـــأرضـــى». وهــنــا ضـحـكـت الــنــســوة لدرجة التدميع. واتفق الجميع بأن هذا حل ذكي بل عبقري. فعلماء الــنــفــس يــقــولــون إن أكــثــر مـــن ثــلــث األطـــفـــال يكون لـديـهـم أصــدقــاء خــيــالــيــون، يـسـمـونـهـم ويتخيلون تفاصيل شكلهم الـخـارجـي وصفاتهم الشخصية. فلم ال نستمر في عالم الخيال الجميل؛ ففي بعض األحيان نقول للواقع ثانك يو وجود باي.