الزالمي يستشرف املستقبل بـ «حنا سعوديني»
قراءة: علي الرباعي
لـــيـــس أثــــقــــل عـــلـــى شــــاعــــر بحجم الراحل رشيد الزالمي من استفزاز مـــشـــاعـــر انـــتـــمـــائـــه، أو استثارة عــــنــــاصــــر الــــحــــنــــن إلـــــــــى مكانه املرجعي، ولذا لم يكن من العسير عــلــيــه أن يــــرد عــلــى أبـــيـــات زميله إبــــان اســتــقــراره فــي إحــــدى الدول الخليجية املـجـاورة، وذلـك عندما رآه يــقــبــل صــــورة املــلــك فــهــد على غالف مجلة فخاطبه بقوله: يــــــــــــــــــــا عــــــــــــــــابــــــــــــــــد الـــــــــــــــــــــــصـــــــــــــــــــــــورة عـــــــــــــلـــــــــــــى بـــــــــــــيـــــــــــــض األوراق
دارك عـــــــــــــــــــــرفـــــــــــــــــــــنـــــــــــــــــــــاهـــــــــــــــــــــا وعـــــــــــــــــــــلـــــــــــــــــــــتـــــــــــــــــــــك عـــــــــــلـــــــــــه إن كــــــــــــــــــــــــــــــــان حــــــــــــــــبــــــــــــــــه مــــــــــــــــــــــــحــــــــــــــــــــــــرق قـــــــــــــلـــــــــــــبـــــــــــــك إحــــــــــــــــــــــــــــــــراق
شـــــــــــــــــــــــــــــد الـــــــــــــــــــــــــــــــــرحـــــــــــــــــــــــــــــــــال ودرب عـــــــــــــــــــمـــــــــــــــــــك تــــــــــــــدلــــــــــــــه وبما أن من طبيعة الشاعر أن يضيق باملكان وساكنيه، كونه يعيش في داخله تشظيات االغتراب، فمن الطبيعي أن يأتي الرد في ذات املستوى للشخصية املعبر عنها، وذات املستوى من لغة ردة فعل الشاعر الفريد في بناء املفردة بناء يتفوق عند النقاد على شعراء الفصيح: مــــــــــــــــــــــــــا تـــــــــــــــــعـــــــــــــــــرفـــــــــــــــــونـــــــــــــــــه يــــــــــــــــــــــــــا رديـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــن األعــــــــــــــــــــــمــــــــــــــــــــــاق
هــــــــــــــــــــــــــــــــذا الــــــــــــــــفــــــــــــــــهــــــــــــــــد ذخــــــــــــــــــــــــــــــــر الــــــــــــــــفــــــــــــــــهــــــــــــــــد فــــــــــــــــــــــــي مــــــــحــــــــلــــــــه وبهذا املدخل البسيط تتأسس مفاهيم االنحياز الكلي للوطن ورمـوزه، دون مراعاة ملشاعر املستفز، حتى وإن كانت أبياته على سبيل الدعابة. لنص الــزالمــي حركية دالــة على قلق املــكــان، وقـلـق لغة الشعر الـتـي ال تؤمن بالسكون والطمأنينة، ناهيك عن الحنن الجارف للوطن وتمثل الشاعر لبيئته األولى، ومرابعه األصلية، وكأنما حضر في ذهن شاعرنا قول جده العربي: بــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــالدي وإن جــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــارت عـــــــــــــــــــــــلـــــــــــــــــــــــي عـــــــــــــــــــــــزيـــــــــــــــــــــــزة
وأهـــــــــــــــــــــــــــلـــــــــــــــــــــــــــي وإن ضـــــــــــــــــــــــــــنـــــــــــــــــــــــــــوا عـــــــــــــــــــــــلـــــــــــــــــــــــي كــــــــــــــــــــــــــــــــــــرام ولـعـل أخـطـر مـا تـوقـف عـنـده الـنـقـاد، اسـتـشـراف الــزالمــي للمستقبل، والتنبؤ بحدوث ما لم يحدث، ووقوع ما لم يقع، إذ إن القصيدة الساكنة فينا، واملعلقة بوجداننا، والساهرة في مجالسنا ودواويننا، ترى ما ال نراه: وكـأنـمـا وظـيـفـة الـشـعـر اسـتـحـضـار الــتــنــبــؤات، وتـشـيـيـد مستقر مــن األسئلة، املفتوحة واملنفتحة على االحتماالت. وكما هي عـادة العرب بالفخر بالوطن والجذور، واالعتداد باألهل والعشيرة، تأتي أبيات الزالمي: حــــــــــــــــــــــــنــــــــــــــــــــــــا ســــــــــــــــــــــعــــــــــــــــــــــوديــــــــــــــــــــــن يـــــــــــــــــــــــــــــا طــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاق طـــــــــــــــــــربـــــــــــــــــــاق
أحـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرار مــــــــــــــــــــــــــــا عـــــــــــــــشـــــــــــــــنـــــــــــــــا بــــــــــــــعــــــــــــــيــــــــــــــشــــــــــــــة مــــــــــــــذلــــــــــــــه ومن العام يعود شاعرنا إلى الخاص، ليعبر عما في نفسه من ألم ووجع تغور في ذاته ولم تتح له الفرصة ليفجره إال في هذه اللحظة الشعرية، إذ إن الحاسد ال يرضيه إال زوال النعمة، وربما ظن أن له الفضل على املحسود فكيف يتفوق عليه، لينتقم الشاعر لذاته الشاعرة: وأهـــــــــــــــــــــــــــــل الــــــــــــحـــــــــــســــــــــــد مـــــــــــــــــا هـــــــــــــــــم عــــــــــــلــــــــــــى بـــــــــــــــــــــــاب األرزاق
رزقـــــــــــــــــــــــــــــــــــــي عـــــــــــــــلـــــــــــــــى الــــــــــــــــــلــــــــــــــــــي كـــــــــــــــــــــــــــــــــــــون الــــــــــــــــــــــكــــــــــــــــــــــون كـــــــلـــــــه فاملكان املشحون بالضغائن، والنظرة الدونية، ال يليق بمن في قامة الزالمي، كونه «وال يقيم على ذل يراد به، إال الذليالن عير الحي والوتد» فكانت الهجرة العكسية إلى الوطن، وكان الزمن كفيال بتحقيق تلك النبوء ة.