من جتليات خصوصيتنا في الفساد

لو أردنــا حصر أنــواع وأشكال الفساد فـإن القائمة ستطول كثيرا وربما ال نستطيع إتمام املهمة بنجاح ألن الفساد يتوالد بطبعات ونـسـخ جــديــدة مــع الــوقــت، مـثـل الـجـراثـيـم الـتـي تـتـحـور جيناتها فتصبح أكثر ضـررا أو الخاليا السرطانية التي تعتريها طفرات بيولوجية فتصبح أكثر فتكًا. ولكن مع ذلك ال بد من التعريج على بعض أشكال الفساد النابعة من خصوصيتنا والظاهرة بوضوح والــتــي اسـتـمـرت إلــى اآلن دون بــــوادر لتصحيحها رغــم ضررها الكبير وإساءتها للدولة ممثلة في معظم مرافقها. ماذا أيها السيدات والسادة أن تسمح الجهات املختصة بالعمران وإنشاء أحياء جديدة تتوسع بسرعة دون اهتمام بوجود الخدمات األساسية فيها قبل أو أثناء أو حتى بعد اإلنـشـاء؟؟ مـاذا تسمون هذا النوع من الفساد؟ وما هي أسبابه وحيثياته؟ كل مدن اململكة تعاني مـن هــذه املشكلة، وســأضــرب لكم مـثـاال صـارخـا فـي سوئه يعرفه الجميع في مدينة جدة، ثاني أكبر مدن اململكة التي يجب أن يعرف كل مسؤول ما يحدث فيها. أحــد األحــيــاء الـجـديـدة نشأ قبل سـنـوات طويلة فـي مـوقـع أصبح إستراتيجيا شمال جدة عندما أصبح محاطًا باستاد امللك عبدالله واملطار الجديد واملبنى الحديث ملستشفى امللك فيصل التخصصي وجامعة جدة ومسار قطار الحرمني وغيرها من املرافق الضخمة، هذا الحي الجميل عمرانه، والذي اتسع بشكل كبير جدًا وافتتحت فـيـه الــشــركــات واملــؤســســات واألســـــواق الــتــجــاريــة، مــا زال إلــى اآلن يعاني أسوأ األوضاع لهذه األسباب: ال مدارس حكومية.. ال مرافق صحية يمثلها لو مركز رعاية أولية.. ال وجود إلشارة مرور واحـدة.. ال مركز للشرطة.. غياب تام لفروع اإلدارات الخدمية (املـفـارقـة وجــود كتابة عــــدل!!).. شـــوارع واسعة طويلة عريضة لكنها بال أرصفة ومليئة بالتراب ومخلفات البناء.. ال شبكة للصرف الصحي.. ال.. ال.. ال.. ال شيء.. والحال على ما هو عليه لسنوات طويلة.. فتخيلوا هذا الوضع يا رعاكم الله!!. كيف سمح لهذا الوضع أن ينشأ؟ وكيف سمح له أن يستمر؟ وكيف لم يتم تصحيحه إلى اآلن؟.. من يجيبنا؟؟