Okaz

جبل النور.. القاصد يبحث عن الضوء

-

ﺃﺷﻬﺮ ﺟﺒﺎﻝ ﺍﻷﺭﺽ ﻭﺃﻋﻈﻤﻬﺎ ﻣﻜﺎﻧﺔ ﻭﺗﺎﺭﻳﺨﺎ، ﻭﻣﺎ ﺷﻬﺪ ﻓﻴﻪ ﻧﺰﻭﻝ ﺍﻟﻮﺣﻲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ، ﺑﺄﻭﻝ ﺁﻳﺎﺕ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ )ﺍﻗﺮﺃ ﺑﺎﺳﻢ ﺭﺑﻚ ﺍﻟﺬﻱ ﺧﻠﻖ( ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻏﻴﺮﺕ ﻣﺠﺮﻯ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ، ﺟﺒﻞ ﺍﻟﻨﻮﺭ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﻌﻠﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﻧﺸﺄﺕ ﻣﻨﻪ ﺃﻋﻈﻢ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻋﺮﻓﺘﻬﺎ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ »ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﺓ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ«، ﻭﺍﻟﻤﺰﺍﺭ ﺍﻷﻭﻝ ﻟﻀﻴﻮﻑ ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ ﻋﻨﺪ ﻗﺪﻭﻣﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺎﺻﻤﺔ ﺍﻟﻤﻘﺪﺳﺔ، ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﺼﻌﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﻤﺔ ﻭﺍﻟﻮﻗﻮﻑ ﻋﻠﻰ ﺃﻃﻼﻟﻪ ﻭﺍﺳﺘﺬﻛﺎﺭ ﺗﺎﺭﻳﺨﻪ. ﻣﻊ ﻛﻞ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻜﺎﻧﺔ، ﻧﺠﺪ ﺑﻌﻀﺎ ﻣﻦ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺍﻟﻨﻔﻮﺱ ﺍﻟﻀﻌﻴﻔﺔ، ﻳﺴﺘﻐﻠﻮﻥ ﺗﻌﻠﻖ ﺍﻟﺰﺍﺋﺮﻳﻦ ﺇﻟﻰ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﻌﻠﻢ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻲ، ﻟﺠﻨﻲ ﻣﻜﺎﺳﺐ ﻏﻴﺮ ﺷﺮﻋﻴﺔ ﺗﺪﺭ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺁﻻﻑ ﺍﻟﺮﻳﺎﻻﺕ ﺑﺸﻜﻞ ﻳﻮﻣﻲ، ﻧﻈﺮﺍ ﺇﻟﻰ ﻛﺜﺮﺓ ﺍﻟﻮﺍﻓﺪﻳﻦ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺠﺒﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﺰﻭﺍﺭ ﻭﺍﻟﻤﻌﺘﻤﺮﻳﻦ، ﻭﺳﻂ ﺍﻟﺘﺴﺎﺅﻻﺕ ﻋﻦ ﻏﻴﺎﺏ ﺍﻟﺠﻬﺎﺕ ﺍﻟﺮﻗﺎﺑﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﻄﻮﻳﺮﻳﺔ. ﺟﻮﻟﺔ »ﻋﻜﺎﻅ« ﺻﻮﺭﺕ ﺍﻟﻤﺸﻬﺪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺠﺒﻞ، ﻭﻭﺛﻘﺖ ﻛﻞ ﺍﻟﺨﻄﻮﺍﺕ ﻣﻦ ﺃﺳﻔﻠﻪ ﻭﺣﺘﻰ ﺃﻋﻠﻰ ﻗﻤﺘﻪ، ﻭﻛﻴﻔﻴﺔ ﺗﺮﺑﺺ ﺍﻟﻤﺘﺴﻮﻟﻴﻦ ﺑﺎﻟﺰﻭﺍﺭ ﻭﺍﺳﺘﻨﺰﺍﻑ ﺟﻴﻮﺑﻬﻢ، ﻣﺴﺘﻐﻠﻴﻦ ﺗﻌﻠﻘﻬﻢ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻤﻌﻠﻢ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻲ.

حركة السير متعطلة

يقع جبل النور شمال شرقي املسجد الحرام، ويطل على طريق العدل، وسمي بهذا االســم لظهور أنــوار النبوة فيه، إذ كــان النبي يخلو فيه بنفسه للتعبد قبل البعثة، يبلغ ارتفاعه 642 مترا، وينحدر بشدة من 380 مـتـرا حتى يصل إلــى مستوى 500 مـتـر، ويستمر فـي االنحدار على شكل زاوية قائمة حتى قمة الجبل وتبلغ مساحته 5 كم 250و م2، وتشبه قمته الطربوش أو سنام الجمل. الطريق الـواصـل بني أسفل الحي والجبل غير مؤهل تماما، إذ يعيب على كثير مـن جوانبه الضيق فـي املـسـاحـة، وبالتالي تـوقـف الحركة املـــروري­ـــة وتــعــالـ­ـي أصــــوات الـتـنـبـي­ـهـات، األمــــر الــــذي أزعــــج الـكـثـيـر من األهــالــ­ي الـقـاطـنـ­ني أسـفـل الـجـبـل، بــل إن بـعـض الــــزوار اسـتـغـربـ­وا شكل الطريق، مؤكدين عـدم صالحيته ألن يكون منفذا رئيسيا إلـى الجبل الذي يحتضن الغار املبارك. يـقـول محمد أرشـــد ـ أحــد الـــزوار مــن باكستان ـ إن تـوقـف الـحـركـة في كثير من أجزاء الطريق، تسبب في تأخره عن أصدقائه الذين سبقوه في الذهاب إلى أحد املعالم التاريخية األخرى في مكة املكرمة، وطالب أرشد بضرورة توسيع الطريق وإقامة مواقف خاصة للسيارات أسفل الجبل، ألنهم يحتاجون إلى من يقلهم ويخرج بهم بشكل سلس من املوقع، دون تعطيلهم في الزحام. من جهته، قال أحد أهالي جبل النور إن حيهم يتحول في املواسم إلى كتلة زحـام شديد من قبل الباصات الكبيرة، والتي تبحث عن مواقف لها فال تجد إال أمـــام مـنـازلـهـ­م، وبـالـتـال­ـي تعطيلهم عن مشاويرهم ومصالحهم، مؤكدا أن هذه الحال ظلت معهم منذ عشرات الــــــــ­ســـــــــ­نـــــــــ­ني، مــــتــــ­مــــنــــ­يــــا إيــــــــ­ــــجـــــ­ـــــــاد حلول لنقل الزائرين بشكل عاجل، وإراحتهم من هم إغالق الطرق عليهم، إذ إن الصعود إلى أعلى قمة الجبل يحتاج إلى قوة وصبر وتحمل لذلك نجد الكثير من زائريه على جنبات الطريق يستريحون من شدة العناء.

االهتمام باملكانة والتاريخ

تـكـثـر املــطــال­ــبــات بـــضـــرو­رة االهــتــم­ــام بـمـثـل تــلــك املـــواقـ­ــع التاريخية وتأهيلها بشكل جيد، وإيجاد وسيلة نقل لزائريها إلى القمة، كتوفير تلفريك يريح الكثير من التعب والجهد واملشقة، خصوصا كبار السن والعجزة الذين يأخذون ساعات طويلة في الصعود إلى الجبل والنزول منه، تصل إلى نهار كامل. في املقابل، يتعرض املكان التاريخي الطاهر لإلهمال من قبل زواره، من حيث تراكم النفايات واألوســاخ بشكل يثير االستهجان، ويتزايد يوميا من قبل الــزوار، وسط غياب التدخل من قبل أي جهة مسؤولة، وبــدال من أن تكون العناية بهذا املكان بأجمل صــورة، يشعر الناظر إلى الحالة التي ترك بها الجبل باألسف، فال تنظيم وال عناية من قبل الـــزوار، كما تكثر على جنبات املـكـان وفــي داخـلـه علب املـيـاه الفارغة واألكياس وغيرها الكثير من النفايات، إضافة للكتابة والرسم على جدران الغار بصورة غير مفهومة وال يقبلها العقل.

حتايل على الزوار

ينتشر املتسولون على طول الطريق ما بني أسفل الجبل وأعاله، ولكل منهم طريقته الخاصة، فهناك من يتستر بالحجاب كامال دون ظهور أي مالمح من وجهها وشكلها، وآخرون يستغلون فقدهم أعضاءهم في التسول وطلب املساعدة، والبعض يتظاهر بعدم القدرة على النهوض واالكتفاء بالتمدد على ظهره ورفـع يده للزوار، حتى أن الكثير منهم يجلس فـي قـارعـة الطريق ويضايق املــارة الـذيـن يتحولون عنه يمنة ويسرة، إضافة إلى من يدفع بأطفاله الصغار من أجل التسول وكسب املـــال، دون اإلحــســا­س منهم بــأن مـثـل هــذه الـتـصـرفـ­ات تــســيء للمكان وقداسته. كـــــتـــ­ــابـــــة عـــــلـــ­ــى جـــــــــ­ـــــــدرا­ن املـــــــ­ـكــــــــ­ان وأعـــــــ­ـلــــــــ­ى مدخله بــــطــــ­ريــــقـــ­ـة عــــشــــ­وائــــيــ­ــة وألـــــــ­ــــــــوا­ن بدائية تشوه صخور الجبل، ناهيك

عن املظالت العشوائية على طريق الصعود واملخلفات املتناثرة في كل مكان، مما يشوه هذا األثر التاريخي املهم. من جهة أخرى، تجد في أعلى قمة الجبل وبالتحديد عند الغار التزاحم وتعالي األصوات في سبيل الفوز بركعتني في الغار، األمر الذي استغله بـعـض مــن الـعـمـالـ­ة املـخـالـف­ـة فــي الـتـظـاهـ­ر بـأنـهـا مـسـؤولـة عــن تنظيم الزيارة ومحاولة إرشـاد وتوجيه من يريد الصالة فيه، وتصديقه من بعض من الــزوار ودفعه للحديث معه في أن يسمح لهم بالصالة عند الغار، إذ يحاول ذلك املتسول جاهدًا مع الزوار الذين يطلبون مساعدته في الصالة إلتاحة الفرصة لهم بالدخول إلى داخل الغار والصالة فيه، وعند خروجهم ينتظرهم ويباشرون بدفع نقود له مقابل خدمته لهم.

تنظيم الصعود مطلب

من جانب آخر، أشار كل من جالل إحسان، وحمزة عبدالرحمن إلى أن «جبل النور» يستحق من العناية واالهتمام ما ناله غيره من األماكن واملـعـالـ­م التاريخية املرتبطة بالسيرة النبوية الشريفة والتاريخ اإلســالمـ­ـي، والــتــي طـمـس الكثير منها عـلـى مــر األيـــام والـسـنـني، وال يحتاج جبل الـنـور إلــى الكثير حتى نحافظ عليه كمعلم تاريخي وديني، إذ يمكن ذلك من خالل العناية بتعبيد ونظافة طريق الصعود إلـــى غـــار حــــراء، مــع تنظيم تـلـك الـعـمـلـي­ـة لـلـراغـبـ­ني فــي ذلـــك، وإزالة التشوهات التي لحقت بصخور الجبل مـن طـالء وكـتـابـات، ويمكن وضع موجهني شرعيني لشرح املعالم للزائرين، ومنعهم من ممارسة أي صلوات أو شعائر تخالف ما ورد عن املصطفى صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح. وتابع عبدالله سليمان أن التلفريك هو الحل الوحيد الذي سيعمل على القضاء على ما يصاحب هذه األماكن من خزعبالت وأفكار خاطئة كالتبرك من قبل الـزوار إضافة إلى حماية الزوار وعدم املخاطرة بهم نظرا إلى مشاق الطريق ووعورته.

طرق مختلفة للتسول

أشــكــال مــتــعــد­دة لـعـمـلـيـ­ات الــنــصــ­ب والــتــحـ­ـايــل مــن قــبــل العمالة املــخــال­ــفــة، تــخــتــل­ــف حــســب املـــواقـ­ــع املـــقـــ­صـــودة فـــي مــكــة املكرمة، وجميعها تهدف إلى استنزاف الزوار واستغالل تعلقهم باألماكن املقدسة، فهنالك من يتظاهر بعمل صيانة للطريق، وآخر يتظاهر بأنه مسؤول النظافة ومعه كامل عدته وينظف بطريقة عجيبة إذ ترصد أعينهم املــارة وتتابع تحركاتهم، وتمثلت أهــم الطرق الستنزاف جيوب الزوار وأخذ أموالهم، بعمل حفر صغيرة وملئها باملاء، من أجل تجمع حمام الحرم عندها والتظاهر بالعناية بها وبأنهم مسؤولون عن هذه البرك الصغيرة وإسقاء املـاء للحمام، األمر الذي في مقابله يغدق الزوار عليهم باملال، وال يتوقف األمر عند هــذا الـحـد، إنـمـا هـنـاك مـن يجلب أكـيـاس حـب صغيرة تباع من أجل رميها للحمام وإطعامها، فتجد كثيرا من قاصدي الجبل يتوجهون إليهم ملنحهم النقود مقابل الخدمات التي يقدمونها لحمام الحرم.

 ?? فيصل السلمي @faisalsaad­solam (مكة المكرمة) (تصوير: عمران محمد) @DR_EMRAN ?? التسول على الطرقات الستعطاف الزوار. طريق الزوار. متسول على معتمرون باتجاه أعلى الجبل. صندوق لجمع المبالغ.
فيصل السلمي @faisalsaad­solam (مكة المكرمة) (تصوير: عمران محمد) @DR_EMRAN التسول على الطرقات الستعطاف الزوار. طريق الزوار. متسول على معتمرون باتجاه أعلى الجبل. صندوق لجمع المبالغ.
 ??  ?? زوار في طريقهم للجبل. زوار في قمة الجبل.
زوار في طريقهم للجبل. زوار في قمة الجبل.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia