أدهشتنا يا «حسن»!
ثالث «مدهشات» فاجأتني في خطاب حسن نصر الــلــه األخـــيـــر، فـــي ســيــاق تــداعــيــات اســتــقــالــة سعد الـحـريـري، وأثـرهـا الـواضـح فـي الساحة السياسية اللبنانية وبـالـذات على سـالح حـزب الله، فالبد من هـزة مثل هذه حتى تشعر إيران ومخلبها في لبنان أن زمن التدخالت والوصاية وفــرض األمــر الـواقـع البــد أن ينتهي.. وكــل واحــدة مـن هــذه الثالث «مدهشات» حشدت خاطري بنوازع متفاوتة بني الغضب، والرغبة فـي الـضـحـك، كــون «نـصـر الـلـه» فـي خطابه بــدا وكـأنـه يـراهـن على «ذواكــر مثقوبة»، أو «عقول ساذجة»، أو تاريخ غير موثق.. فكيف لـــ«عــاقــل» أن يـسـتـوعـب لهجة الـتـحـدي الــواثــقــة الــتــي راهـــن عليها «الـشـاطـر حـسـن» وهــو يطالب بشاهد واحــد على تـدخـل إيـــران في لبنان.. ومن منطلق قناعتي بأن من يطلق هذا الرهان إما «مغفل» أو «مستغفل» أو «مـسـتـغـفـل»، فسأخوض رهــان «حـسـن» بالدالئل والبراهني والشواهد، على اعتبار أن هذه القناعات الثالث حاضرة فيه تمام الحضور، وأحيله إلـى مقطع مصور بعظمة لسانه مقرًا بـدور إيــران في لبنان، حيث قـال: «على رأس السطح وأمــام الناس أن كل مصاريف حزب الله وأكله وشربه وصواريخه وسالحه من الجمهورية اإلسالمية في إيران».. إن في مثل هذا الحديث من التبعية املطلقة إليران ما ال يحتاج إلى «عنزين» لتنتطحا في إدراكه، ناهيك عن تفسيره وتأويله، فهل ثمة أوضـح من هذا داللـة وبرهانا على «ولــوغ» إيـران في الشأن الداخلي للبنان، إلى غاية تسخير «حزب الله» إلى تنفيذ أجندتها على املستوى العقدي والعسكري، ليس في لبنان وحسب، بل وفي كامل املنطقة بالوكالة.. ثم هل خفي على الشاطر «حسن» ما قاله الرئيس روحاني متبجحا: «ال يمكن فـي الــعــراق وســوريــا ولبنان ودول الخليج ودول شمال أفريقيا القيام بأي خطوة مصيرية دون موافقة إيـران»، في إشارة واضحة إلى الفوز بالقوة والهيمنة والسيطرة على الدول األخرى.. فالشواهد كثيرة وبإمكانك أن تراهن على خالفها، فهي أوضح من أن يغطيها غربال «الغباء» أو «االستغباء».. لكن من تربى على يد «عماد مغنية» الفلسطيني األصل، بكل تاريخه الدموي والتآمري وتــبــعــيــتــه املــطــلــقــة إليـــــران فــســيــكــون عـــزيـــزا عــلــيــه أن يــفــهــم الدور اإليـرانـي في املنطقة على اعتباره «تـدخـال» سـافـرا، وإنما سيلتف عليه «تقية» ليفسره على هواه، وإنك لتعجب من مساعدات، تصل حـد صــرف الــرواتــب، والــســالح، واأليـديـولـوجـيـة للعقول، والكساء، والدواء، وإجماال من «املالبس الداخلية» وحتى «العمائم» أبيضها وأسـودهـا، ثم ال يفهم كل ذلـك على اعتباره «تـدخـال» بل «حرصا» على «وحدة» لبنان.. أدهشتنا يا«حسن»! أمــا األمــر اآلخــر، والــذي تختلط فيه الدهشة بالرغبة فـي الضحك ادعــاؤه أن الصاروخ الـذي دنس أرض الرياض، إنما كان محصلة لتطور الحوثيني في صنع الصواريخ بأنفسهم، ومعها الطائرات املــســيــرة.. ولـــم يــركــب «حــســن» هـــذا املــركــب املــتــأرجــح بـ«الفكاهة» و«الكوميديا الــســوداء» إال رغبة منه فـي زحـزحـة اليقني الصمدي بمسؤولية إيـــران فـي تـزويـد جماعة الـحـوثـي بمثل هــذه األسلحة املتطورة، والقادرة على عبور األجواء، ولو «ركز» حسن قليال لعرف حجم «الحوثي» وجماعته، ومعاناتهم التي يخوضونها بسبب ما اقترفوه بحق اليمن، وأنهم عاجزون عن صنع «قدر للطبخ»، ناهيك أن يصنعوا مثل هذه الصواريخ التي يدرك «حسن» ما تتطلبه من تقنية حتى تصل إلى هذا املدى البعيد، وما كان لـ«حسن» أن يضع نفسه في موضع السخرية بمثل هذا الزعم إال اجتهاده األعمى في «غسل» املواقف اإليرانية بمثل هذه الخطابات الفجة، و«املبالغات» املضحكة، الـتـي تحفزني السـتـدعـاء املـثـل اإلنـجـلـيـزي الـقـائـل too( ،)good to be true فكل مبالغة ال تنتهي بسامعها إال إلـى تكذيب قائلها، طاملا انطوت على «غير املعقول» عقال ومنطقا... لذلك أعيد قولي بكل حمولته الساخرة: أدهشتنا يا «حسن»! واملــدهــش الــثــالــث أن «الــشــاطــر» ال يـــرى فــي الــواقــع الـلـبـنـانـي، ما يشهده من هيمنة إيرانية، مهددا لحياة سعد الحريري، وأن ما قاله «سعد» من أن األجواء شبيهة بالتي سادت لبنان قبل مقتل والده، هي محض كـذب وافـتـراء، وأن استقالته كانت مـدبـرة، وأن البيان الـصـادر أملي عليه بــاإلكــراه، وأنــه تحت اإلقـامـة الجبرية، وأن ما حدث إهانة للبنان، جملة من األكاذيب قالها ودحضتها الوقائع واألحـــداث، منها تأكيد فرنسا أن الوضع األمني في لبنان يمنع عــودة الـحـريـري، ومــا قاله الرئيس الحريري نفسه أنــه حـر طليق سيعود إلى لبنان ليستقيل حسب الدستور ليخرس ألسنة الكذب أمام العالم كله. شكرا للشاطر «حسن» على كل هذه املتعة التي هيأها لنا بخطابه «الفكه»، وتبريراته السمجة، ومغالطاته التي تحرج ذاكرة التاريخ وأضــابــيــره املـوثـقـة، فمن حــق «حــســن» أن يـقـول مــا يــشــاء، طـاملـا أن ارتــضــى أن يـغـطـي رأســــه وعــقــلــه بـــ«عــمــامــة املـــاللـــي»، فــاملــرء حيث يضع نفسه، لكن «نــرجــوه» أن يرفع عـن «الحوثيني» الـحـرج الذي أوقعهم فيه، فلن يبقى لهم بعد تطوير «صاروخ حسن» إال «نووي الحوثي».. تذكر يا سيد أنك أنت من تفاوضت مع داعش وضمنت لهم حـق الـخـروج اآلمــن مـن لبنان. اإلرهــاب عنوانه إيــران ووثائق ابـــوت أبـــاد تـفـضـح ذلـــك. البـــد لــك أن تــتــوارى خــجــال لــم يـعـد هناك ممانعة أو مقاومة وإنما سالح تسخره لخدمة أعداء األمة. وتمرير أجندة املاللي أولياء نعمتك!