نقحوا تاريخنا احلافل بالهياط
هــل الـتـغـنـي بــالــتــاريــخ وبــاألمــجــاد الــغــابــرة مـحـفـز لنا وملــســيــرتــنــا الـــتـــي تـــوجـــب عــلــيــنــا الــلــحــاق بالحضارة واملعاصرة؟! وهـل الحقن املستمر بما كـان عليه أجـدادنـا قبل مئات السنني من حضارة غابرة ومقارنة ما كانوا عليه بما نحن عليه اآلن يمكن أن يكون سببًا الستنهاض الهمم ونـفـض غـبـار التخلف الــذي جعلنا حاليًا فــي مؤخرة ركب األمم املتقدمة؟! ربما يكون ذلك مفيدًا لو أن الجرعة املشحونة تاريخيًا محتملة ومنطقية، لـكـن مــا يـــروى ويـحـقـن فــي رؤوس طــالبــنــا مـــن مــعــلــومــات عـــن تـــاريـــخ الـــعـــرب واملسلمني الزاهي فيه قدر كبير من الهياط واملبالغة التي صاغها مؤرخو تلك الفترات وهم في تبهيرهم وما أضافوه من خيال واسـع على كثير من املـرويـات يماثلون مخرجي أفالم األكشن في هوليوود، بل إن كثيرا من مبالغاتهم وإضــافــاتــهــم الــتــي تـخـامـر الـعـقـل مـطـابـق لـخـيـال أفالم بوليوود الهندية والتي ترتقي بفارس الفيلم وحاشيته إلى جعله أسطورة يحلق معها املشاهد الهندي البسيط وهــو مـاكـث عـلـى مـقـعـده ثــم يـخـرج مــن صـالـة السينما منتشيًا بانتصار البطل على الظلم والعنصرية والفقر ثم ليفوز بقلب معشوقته وتصفيق مؤيديه. أعــلــم يـقـيـنـًا أن مــجــد الــحــضــارة الــعــربــيــة واإلسالمية قــد مهد األرضــيــة الصلبة علميًا النــطــالق الحضارات البشرية قاطبة من خالل بناء الجديد على ما سبقه من تـركـة اإلغــريــق والــرومــان والفينيق والـهـنـود وغيرهم، بحيث كلما جــاءت أمــة أضـافـت على مـا قبلها، وعليه فإنني مـدرك لكل ذلـك، لكنني أرى أن الوقوف عند تلك املرحلة التاريخية والتغني بأمجادها وإرجاع أصل كل ما هو جديد ومعاصر لجذورنا اإلبداعية واكتشافاتنا الــســابــقــة مــن شــأنــه أن يــكــون مــعــوقــًا ومـــخـــدرًا ومانعًا لإلبداع. ليتنا نخفف من وطأة النوم على وسادة التاريخ وعلى مـا قـد كــان، والنظر إلــى مـا هـو كـائـن مـن تخلف وأمية وفــقــر ونـــزاعـــات تــضــرب أطــنــابــهــا فـــي مــفــاصــل معظم األقطار العربية واإلسالمية، ومحاولة الخروج من هذه الحفرة ورسم املخطط ملا يجب أن يكون عليه الحال من مواكبة ألسباب التقدم العلمي والحضاري، وذلك حتى نحتل مكاننا الـالئـق واملستحق فـي طـابـور الحضارة املعاصرة.