تخرج تركيا من «الناتو»
ال يمكن أن تعيش تركيا في حالة هدوء مع أوروبا والغرب عـمـومـا، فـقـد بــاتــت خـطـابـات الـرئـيـس الـتـركـي رجــب طيب أردوغــــــان تـسـتـمـد مــوضــوعــاتــهــا مــن الــعــالقــة املــتــوتــرة مع الغرب. وفي ذات الوقت ال تكف بعض الدول األوروبية في الـتـحـرش بتركيا واسـتـفـزازهـا بــني الفينة واألخــــرى، وفي كـل مــرة يعود الحديث إلــى إمكانية مـغـادرة تركيا للناتو في ظل سياستها املتقلبة، وخصوصا بعد زيارة أردوغان إلى روسيا وتوقيعه اتفاقيات إستراتيجية، ما ينظر إليه املـراقـبـون على أنــه «عــكــاز» احتياطي تـركـي فـي سياستها الدولية وبديل عن أوروبا.. فهل تركيا مستعدة للرحيل من الناتو وما هي إمكانية ذلك؟ من الناحية العملية؛ فإن الناتو باألصل لم يعد متماسكا كما كـان في السابق، فحني نتحدث عن الناتو ال يمكن أن نتحدث عن سياسة واحدة متفق عليها، فعلى سبيل املثال بينما تربط تركيا عالقة سيئة بهولندا والدنمارك والنرويج أخـيـرا، نـرى أن العالقة التركية الفرنسية اإليطالية تتجه ملزيد من التنسيق العسكري وربما الصناعات العسكرية املـتـطـورة، وهــذا يـعـزز الــوجــود التركي فـي الناتو ويجعل معناه أكثر براغماتية ويغري تركيا في أن حالة التباين األوروبــي تجاه تركيا باتت تهدف تركيا، ذلـك أن الرئيس الــتــركــي يــســتــخــدم ســيــاســات تــلــك الـــــدول املــعــاديــة لتركيا للضغط على حلفائه وإحراجهم من خالل إساءة هذه الدول لتركيا. وكـان املوقف األخير من الناتو في املـنـاورات التي جرت في النرويج وانسحبت القطاعات التركية العسكرية مــن الــتــدريــب بسبب اســتــخــدام صـــورة أتــاتــورك وأردوغــــان كهدف نـاري للتدريب، بمثابة الفرصة املناسبة ألردوغان لــالنــقــضــاض عــلــى خــصــومــه فـــي الـــنـــاتـــو، ومــــن هــنــا جاء التصعيد التركي حيال تلك الدول واعتبرهم أردوغان أعداء لتركيا رغم وجودهم في حلف واحد. ويـــرى املـحـلـل الـسـيـاسـي الـتـركـي فـــراس أوغــلــو، أن افتعال هذه األزمة في الناتو كان من مصلحة أردوغــان، الذي رفع الضغط على محور الدول املتخاصمة -إن صح التعبير- مع تـركـيـا، الــذي تـقـوده أملـانـيـا، مشيرا إلــى أن أردوغــــان صعد تجاه هذه الدول من أجل إحراج املنظومة األوروبية وكشف مــواقــفــهــا املــعــاديــة لــتــركــيــا. وأضـــــاف أوغــلــو لـــ«عــكــاظ» أن املشاكل التركية مع الناتو ليست جـديـدة، وبــدأت تتصعد منذ ثـالث سنوات، حني سحب الناتو منظومة الباتريوت من تركيا في ظل الحاجة التركية لها خالل األزمة السورية، مستبعدا انسحاب تركيا من الناتو في هذه املرحلة، معتبرا أن األزمة سحابة صيف. وعـلـى اعـتـبـار أن تركيا ثـانـي أكـبـر جيش في الناتو من بعد الواليات املتحدة األمريكية، فإنه ليس من السهل التنازل أو خسارة هذه القوة، خصوصا أن تركيا هي دولة الجنوب املجاورة ألكبر أزمــة عاملية وهــي سـوريـة، وبالتالي من هـذا املنطلق، فـإن كـل الحديث عـن مغادرة الناتو ال يعدو كونه تصعيدا تكمن وراء ه أهداف سياسية لتحسني مواقع في لعبة التموضع. االحتياج املتبادل بني الناتو والـغـرب عموما من جهة وتركيا من جهة أخـــرى، يجعل كــال الـطـرفـني يحتمل الحرب الــكــالمــيــة والــتــصــعــيــديــة، ويــلــعــب أردوغـــــان على هــذا الـهـامـش بالتحديد، مستخدما خــطــابــات بــنــبــرة عــالــيــة لـيـحـسـن موقعه أيضا في الداخل التركي.