ال سقيا عذاب
باعتقادي أنه حان الوقت لنعترف من قرارة أنفسنا ودونما إكراه من أحد، بأن ما يصيب جدة من أمطار وأضــرار كل عـام، هو في الواقع سقيا عذاب وبالء، وهدم وغرق، هو كذلك بعد أن تفشى الفساد في تلك الجهات املعنية بتنفيذ مشاريع البنى التحتية وتصريف املياه، هو كذلك على اعتبار أن الخير يخص والــشــر يـعـم، هــو كـذلـك مـــادام الــفــاســدون يتمتعون بالحرية ويـتـم تبرئة ساحتهم مــن كـافـة التهم املنسوبة إلـيـهـم، هــو كـذلـك مــا دامت جدة التي نعتبرها (غير) بقية املدن وندلعها بعروس البحر األحمر تغرق في شبر مويه! ما إن كف املطر وأغـرقـت املياه الـشـوارع واألنـفـاق والبيوت واملحاكم أيضا، حتى انطلقت الهاشتاقات الناقدة واملقاطع الساخرة بمواقع التواصل االجتماعي تجاه هذه الحالة املزرية التي وصلت إليها ثاني أكبر مدن اململكة، لكن أكثر ما لفت انتباهي، وأكثر ما أحدث بالحلق غصة، هو تعليق أحد الشباب العرب حني قال بكل عفوية وتجرد: (معقولة يحدث كل هذا الخراب والدمار بفعل األمطار في أكبر دولة منتجة للنفط في العالم)؟! هذا السؤال امللغم ال يحتمل سوى إجابة واحدة صريحة وشفافة، أال وهي: نعم أيه األعرابي حدث ويحدث هذا كل عام النعدام (األمانة) وضعف (الرقابة)، نحن نملك قــيــادة حكيمة ونملك السيولة املــاديــة الـكـافـيـة، ولكننا نفتقر للمسؤولني النزيهني الذين ال يتوانون عن تقديم استقاالتهم والتضحية بـمـنـاصـبـهـم، نـفـتـقـر لـخـطـة تــوطــني الــوظــائــف الــهــنــدســيــة لــهــذه املشاريع الحيوية بالكفاءات السعودية التي ال تجد محال لها في ظل سطوة البعض والــوافــديــن ســوى االنـتـظـار بـقـوائـم البطالة الـطـويـلـة، نفتقر للمستشارين األكفاء الذين يمكنهم وضع بنود عقود املقاولة للمشاريع العامة بصيغة جامدة يستحيل القفز أو التحايل عليها، نفتقر ملن يراعي الله قبل كل شيء وهو يكتب التقارير األولية عن عيوب مشروع التصريف الذي تم باألمس افتتاحه قبل أن يتحول خالل موسم األمطار لبركة سباحة!
إذا أردنــــا أن يستجيب الــلــه دعــاءنــا ونــحــن نبتهل إلــيــه ونــرفــع أيادينا املرتعشة إلى السماء مع كل غيمة مطر (اللهم سقيا رحمة، ال سقيا عذاب)، علينا أن نخلص املحاسبة لوجهه سبحانه، وذلك باجتثاث شجرة الفساد مــن جـــذورهـــا، ولـــن يـتـحـقـق لــنــا هـــذا إال بــإنــشــاء مـحـكـمـة مـخـتـصـة باسم (محكمة مكافحة الـفـسـاد)، تكون مـن عـدة دوائــر قضائية، كـل دائــرة فيها قــاض ومستشار قانوني خبير باألنظمة والعقود ومهندس يملك العلم والـدرايـة الكافية إلعطاء الــرأي الفني في حينه، على أن تنتهي كل قضية مكتسبه للتدقيق فـي غضون ثالثة أشهر بالكثير، أمــا أن تنظر القضية محكمة لديها الكثير مـن أنــواع القضايا وتستمر املــداولــة فيها لسنوات عـديـدة فذلك بـال شـك يعد مـدعـاة لضعاف النفوس لخلق مشاريع ركيكة واختالسات كبيرة! كل ما أتمناه أن تحرك صورة ذلك الطفل البريء الذي مات صعقا بالكهرباء مــن أثــر تجمع أمــطــار املــيــاه عـنـد بــاب مـنـزلـهـم، قــلــوب وضمائراملسؤولني ملحاربة الفساد بكل قــوة، إمـا إذا مـرت الـصـورة بسالم، فإننا سنكون على
موعد ثابت في كل عام مع سقيا عذاب!