«نسوة أرامكو».. 5 عقود بني جناة والغصن
ﻟﺴﻨﻮﺍﺕ ﻭﻋﻘﻮﺩ ﻃﻮﻳﻠﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺃﻏﻠﺐ ﻭﻇﺎﺋﻒ ﺍﻟﻘﻄﺎﻋﻴﻦ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﻭﺍﻟﺨﺎﺹ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻤﻠﻜﺔ ﻣﺤﺘﻜﺮﺓ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﺮﺟﺎﻝ ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﻌﻠﻮﻡ، ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺍﻧﺘﻈﺎﻡ ﺍﻹﻧﺎﺙ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﺍﻟﺮﺳﻤﻲ ﺑﻤﺨﺘﻠﻒ ﻣﺮﺍﺣﻠﻪ ﻣﻨﺬ ﻣﻄﻠﻊ ﺍﻟﺴﺘﻴﻨﺎﺕ، ﺑﻞ ﻭﺗﺨﺼﺼﻬﻦ ﺃﻛﺎﺩﻳﻤﻴﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ ﺣﻘﻮﻝ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻭﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻣﻊ ﺗﺤﻘﻴﻘﻬﻦ ﺩﺭﺟﺎﺕ ﻋﺎﻟﻴﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﻔﺎﺀﺓ. ﻭﻟﺴﻨﻮﺍﺕ ﻃﻮﻳﻠﺔ ﺃﻳﻀﺎ ﻛﺎﻥ ﻣﺎ ﻳﻘﻒ ﺑﺎﻟﻤﺮﺻﺎﺩ ﻟﻠﻤﺮﺃﺓ ﺍﻟﺴﻌﻮﺩﻳﺔ ﻟﺠﻬﺔ ﻣﻨﻌﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻗﺘﺤﺎﻡ ﻣﺠﺎﻻﺕ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻫﻮ ﻓﺘﺎﻭﻯ ﻣﻐﻠﻔﺔ ﺑﺎﻟﺨﻮﻑ ﻣﻦ ﺗﻐﺮﺑﻬﺎ ﻭﺍﺧﺘﻼﻃﻬﺎ ﺑﻐﻴﺮ ﺍﻟﻤﺤﺎﺭﻡ، ﻧﺎﻫﻴﻚ ﻋﻤﺎ ﻗﻴﻞ ﺑﺄﻥ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ﻟﻢ ُﺗﺨﻠﻖ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺍﻟﺒﻘﺎﺀ ﺩﺍﺧﻞ ﻣﻨﺰﻟﻬﺎ ﻟﺘﺮﺑﻴﺔ ﺃﻃﻔﺎﻟﻬﺎ ﻭﺍﻻﻋﺘﻨﺎﺀ ﺑﺒﻌﻠﻬﺎ. ﻭﺣﺪﻫﺎ ﺷﺮﻛﺔ ﺍﻟﺰﻳﺖ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺍﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ )ﺃﺭﺍﻣﻜﻮ ﺍﻟﺴﻌﻮﺩﻳﺔ ﺣﺎﻟﻴﺎ( ﻟﻢ ﺗﻠﺘﻔﺖ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻻﻋﺘﺮﺍﺿﺎﺕ ﻭﺍﻟﻤﺒﺮﺭﺍﺕ، ﻓﺘﺠﺎﻭﺯﺗﻬﺎ ﻭﺷﺮﻋﺖ ﻓﻲ ﺗﻮﻇﻴﻒ ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ ﺟﻨﺒﺎ ﺇﻟﻰ ﺟﻨﺐ ﻣﻊ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﻓﻲ ﻣﻘﺮﻫﺎ ﺍﻟﺮﺋﻴﺴﻲ ﺑﺎﻟﻈﻬﺮﺍﻥ ﻭﻣﻘﺎﺭﻫﺎ ﺍﻷﺧﺮﻯ ﺿﻤﻦ ﺣﺪﻭﺩ ﺍﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﺍﻟﺸﺮﻗﻴﺔ، ﺍﻷﻣﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﺟﻌﻞ ﺍﻟﺘﻮﻇﻴﻒ ﻓﻲ ﺃﺭﺍﻣﻜﻮ ﺣﻠﻢ ﻭﺃﻣﻨﻴﺔ ﻛﻞ ﻓﺘﺎﺓ ﺳﻌﻮﺩﻳﺔ ﺳﻮﺍﺀ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻘﻴﻤﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﺍﻟﺸﺮﻗﻴﺔ ﺃﻭ ﻓﻲ ﻣﻨﺎﻃﻖ ﺍﻟﻤﻤﻠﻜﺔ ﺍﻷﺧﺮﻯ. ﻛﻴﻒ ﻻ ﻭﻗﺪ ﺗﻨﺎﻣﻰ ﺇﻟﻰ ﺃﺳﻤﺎﻋﻬﻦ ﺃﻥ ﺍﻟﺸﺮﻛﺔ ﺍﻟﻨﻔﻄﻴﺔ ﺗﻮﻓﺮ ﻟﻤﻮﻇﻔﺎﺗﻬﺎ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺑﺮﻭﺍﺗﺐ ﻣﺠﺰﻳﺔ، ﻣﻌﻄﻮﻓﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﺮﻗﻴﺎﺕ ﻭﺍﻟﺤﻮﺍﻓﺰ، ﻭﺍﻻﺑﺘﻌﺎﺙ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻲ ﻟﻠﺤﺼﻮﻝ ﻋﻠﻰ ﺩﺭﺟﺎﺕ ﺃﻛﺎﺩﻳﻤﻴﺔ ﻋﺎﻟﻴﺔ، ﺑﻞ ﺗﺆﻣﻦ ﻟﻬﻦ ﺃﻳﻀﺎ ﻓﺮﺹ ﻣﻤﺎﺭﺳﺔ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﺍﻟﺮﻳﺎﺿﺎﺕ ﻭﻗﻴﺎﺩﺓ ﺍﻟﺴﻴﺎﺭﺓ ﻭﻣﺸﺎﻫﺪﺓ ﺍﻟﺴﻴﻨﻤﺎ ﺿﻤﻦ ﻣﺠﻤﻌﻬﺎ ﺍﻹﺩﺍﺭﻱ ﻭﺍﻟﺴﻜﻨﻲ. فــي هــذا الــســيــاق، كـتـب محمد السماعيل في مقال له بجريدة اليوم )2017/7/30( «شرعت (أرامـــكـــو الــســعــوديــة) مــنــذ مـطـلـع الستينات بــاالهــتــمــام بـــاملـــرأة الــســعــوديــة وبتوظيفها وتــرقــيــتــهــا، كــمــا مــنــحــت فـــرصـــا لــكــثــيــر من السيدات ليشغلن وظائف كانت ــ في السابق ــ ملستشارين أجانب، فوظفتهن، حتى أصبح لـديـهـا 1000 ســيــدة فــي عـــام ،2004 يشكلن نسبة %2 من الكادر العامل في أرامكو (ارتفع العدد خالل العقد املاضي إلى أكثر من 4400 سيدة طبقا ملا ورد في حوار منشور بصحيفة الرياض في )2016/3/20 واستمرت الشركة بهذا النهج حتى أنها أطلقت منذ فترة وجيزة العديد من املشاريع الداعمة لتوظيف النساء بالتعاون مع جهات أخــرى كجامعة األميرة نـــورة وغــيــرهــا، وأنــشــأت أول مـجـمـع نسائي لخدمات تسيير األعمال الذي سيوفر 21 ألف فرصة عمل خالل 10 سنوات». ومثلما أثبت املواطنون الذين التحقوا بالشركة مـــع بــواكــيــر اكــتــشــاف الــنــفــط فـــي عـــام 1938 قـدرات مميزة وسريعة في استيعاب األعمال املهنية واملكتبية املتعلقة بالتنقيب والتكرير والتصدير، ثم إنهاء مقررات أرامكو الدراسية الخاصة بالتأهيل لالبتعاث الـخـارجـي إلى الـجـامـعـات األمــريــكــيــة، فــالــعــودة مــجــددا إلى أحضان الشركة لخدمة الوطن (أفضل وأبرز مثال على هذا الصعيد املهندس علي إبراهيم النعيمي الذي بدأ العمل مع أرامكو ساعيا في سنة ،1945 ثم تــدرج في الوظائف امليدانية واملكتبية إلــى أن صــار مـديـرا تنفيذيا أعلى للشركة قبل أن يعني وزيـرا للبترول والثروة املعدنية في عام )1995 فإن املواطنات حققن تـفـوقـا مـمـاثـال حينما أتـيـحـت لـهـن الفرصة، ما جعل بعضهن يصلن إلى مناصب قيادية عليا في هذه الشركة النفطية العمالقة. طــبــقــا ألدبــــيــــات أرامـــــكـــــو، وملـــــا كــتــبــه ميرزا الـــخـــويـــلـــدي فــــي صــحــيــفــة الــــشــــرق األوســــــط ،)2009/5/25( فــــإن أول امـــــــرأة سعودية طلبت التوظف بالشركة كانت السيدة «نجاة الـحـسـيـنـي»، وكـــان ذلـــك فــي عـــام ،1964 وملا لـــم تــكــن لــــدى الـــشـــركـــة ســـوابـــق فـــي توظيف السعوديات آنذاك، وكي ال تدخل في إشكاالت مع الدولة واملجتمع املحافظ، فقد طلبت إذنا خاصا لقبولها، وهو ما تمكن والدها إبراهيم الحسيني مـن الحصول عليه مـن املغفور له املــلــك فيصل بــن عـبـدالـعـزيـز طـيـب الــلــه ثراه. وهـكـذا توظفت الحسيني فـي أرامــكــو (حتى تاريخه كـان كل موظفات الشركة األجنبيات يــعــمــلــن فـــي قــطــاعــي الــســكــرتــاريــا والصحة حصرا)، وأوكلت إليها مسؤولية إدارة الصحة الوقائية التي كان من ضمن مهماتها حماية املـجـتـمـع املــحــلــي مــن األوبـــئـــة املــعــديــة ونشر الوعي الصحي في أرياف القطيف واألحساء التي كانت مصدر الجل األعـظـم مـن موظفي وعمال أرامكو في تلك الحقبة. ولعل ما ساعد الحسيني عـلـى الـنـجـاح والـتـمـيـز فــي عملها هو مؤهالتها الدراسية؛ إذ كانت قد درست االبتدائية باللغتني العربية والفرنسية في دمشق، ثم درست الثانوية في مدرسة «ماري مــاونــت» لــلــراهــبــات فــي رومـــا اإليــطــالــيــة، ثم الــتــحــقــت بــجــامــعــة دمـــشـــق وتـــخـــرجـــت فيها بنجاح عــام 1962 فـي تخصص آداب اللغة اإلنجليزية قبل عودتها إلى السعودية. وإذا كانت الحسيني، التي توفيت عـام 2009 في ساسكس بإنجلترا، قد دخلت التاريخ كأول موظفة سعودية في شركة أرامـكـو العمالقة، وكذلك كـأول مبتعثة من قبلها إلى الجامعة األمـريـكـيـة فــي بــيــروت للتخصص فــي الطب الوقائي وعلوم التمريض واللقاحات والرعاية الصحية، فإنها أيضا الفتاة التي شكلت قدوة للعديد من مواطناتها الطموحات لالنخراط مع أرامكو واالستفادة من بعثاتها التعليمية والتخصصية. مــن هــــؤالء مــن أتـــت عــلــى ذكــرهــن وسيرتهن العلمية والعملية فضيلة الجفال في صحيفة الحياة .)2006/5/14( أوالهــــن «آمــــال عـلـي الــعــوامــي»، الــتــي تعتبر أولـــــى مــهــنــدســات الــبــتــرول الـــســـعـــوديـــات، إذ الـتـحـقـت بــأرامــكــو فــي عـــام ،1979 وحصلت عــلــى شـــهـــادة الـــبـــكـــالـــوريـــوس مـــن الواليات املتحدة عام .1984 وثانيتهن ابنة عمها «فاطمة حسني العوامي» الــــتــــي الـــتـــحـــقـــت بــــأرامــــكــــو فــــي عــــــام ،1980 وحـصـلـت عـلـى بـعـثـة إلـــى الـــواليـــات املتحدة لدراسة الهندسة الكيميائية، لتعود وتتنقل بــني أقـسـام مختلفة مـن أجــل كسب املـزيـد من الــخــبــرات الـعـمـلـيـة، قـبـل أن تـسـنـد لـهـا مهمة دراســــة الـحـقـول ومـكـامـن اآلبــــار النفطية من كافة النواحي. وثالثتهن «هبة ضياء الدين» التي ابتعثتها أرامكو إلـى الـواليـات املتحدة فتخرجت في عام 1991 في تخصص مزدوج (الــهــنــدســة الـكـهـربـائـيـة واألجـــهـــزة الطبية)، وعـــــادت لـتـعـمـل ضــمــن فــــرق تـقـيـيـم وفحص الـــدراســـات الــخــاصــة بـالـحـقـول الـنـفـطـيـة وما يستجد حولها من معلومات، ولتمثل بالدها أيـــضـــا فـــي املـــؤتـــمـــرات واملــــعــــارض النفطية الخارجية. ورابعتهن الجيوفيزيائية أميرة املـصـطـفـى الــتــي ابـتـعـثـتـهـا أرامـــكـــو للدراسة الجامعية في جامعة امللك عبدالعزيز بجدة فتخرجت عـام 1980 في تخصص الفيزياء، وعــــــــادت لــتــعــمــل ضـــمـــن فـــريـــق مــتــكــامــل في مـجـال التنقيب عـن الـبـتـرول مـن خــالل املسح الـجـيـوفـيـزيـائـي لتحديد مـنـاطـق حـفـر البئر وعمقه جيدا، خصوصا أن الحفر هو العملية األكــثــر تكلفة فــي الـتـنـقـيـب. مــن السعوديات الــلــواتــي شــغــلــن مــنــاصــب قــيــاديــة أيــضــا في شــركــة أرامـــكـــو الـكـاتـبـة والــشــاعــرة الدكتورة ثـريـا الــعــريــض، ابـنـة شـاعـر الـبـحـريـن الكبير املــرحــوم إبـراهـيـم الـعـريـض، الـتـي تعتبر أول سيدة حاصلة على درجــة الـدكـتـوراه تلتحق بالشركة. فــقــد نـــالـــت هــــذه الــــدرجــــة الــرفــيــعــة بامتياز فــي عـــام 1975 مــن جـامـعـة نـــورث كارولينا األمـريـكـيـة فــي تخصص اإلدارة والتخطيط الــتــربــوي، والـتـحـقـت بقسم الــعــالقــات العامة في أرامكو في عام ،1980 وتمكنت من إثبات جدارتها فحصلت على الترقية تلو الترقية حـتـى وصـلـت ملنصب مـسـتـشـارة للتخطيط، عــــــــالوة عـــلـــى مــنــحــهــا عـــضـــويـــة املجموعة االستشارية لشؤون أرامكو السعودية. ومنهن أيــضــا الــســيــدة نــائــلــة املــوصــلــي الــتــي تعتبر أول مــوظــفــة ســـعـــوديـــة فـــي أرامــــكــــو تحصل على درجـــة املاجستير فــي هندسة البترول؛ إذ نـالـت هــذه الــدرجــة مــن جامعة تولسا في والية أوكالهوما التي ابتعثتها أرامكو إليها، قبل أن تعود وتـواصـل مسيرتها املهنية مع الــشــركــة وتـصـبـح فــي عـــام 1985 أول مديرة فيها مسؤولة عن هندسة املكامن النفطية.