خاشقجي.. والتلون!
عـجـبـي ال يـنـقـضـي مــن جــمــع املــتــنــاقــضــات، تــــارة يخبرنا بـأن في عنقه بيعة لولي األمــر، وتــارة يحرض على بالده ويطعن في قراراتها بأساليب عدة. يبدو أن انتماء جمال خاشقجي لإلخوان املسلمني جعله ال ينظر إلى األحداث إال من خالل املنظار «اإلخواني»، فلو أخذنا مصر كمثال، لوجدناه يكيل التهم جزافًا للرئيس عبدالفتاح السيسي وللجيش املـصـري، وفـي الوقت نفسه يغمض عينيه عن العمليات اإلرهابية البشعة التي ذهبت بأرواح العديد من الجنود املصريني وسفكت دماء املدنيني األبـــريـــاء، لـكـن ال نـسـمـع لــه صــوتــًا فــي إنــكــار تـلـك األعمال اإلجرامية، وال نقرأ له حرفًا في مواساة أهالي الضحايا. وعلى الرغم مما تأكد لدى العقالء من كون الربيع العربي ما هو إال «خريف دموي»، سالت فيه دماء مئات اآلالف من األبرياء، ونهبت األموال، وهدمت املساكن وهتكت األعراض، إال أن األخ خاشقجي ال يــزال يكابر ويعمي ويصم أذنيه عن كل تلك املصائب العظام التي حلت ببلداننا العربية بسبب هذا «الربيع املزعوم»، ويرى أنه ربيع فعال، وأنه لم ينته، ولم يهتز إيمانه به وبضروراته. وليته فطن إلى أن كل ما حدث من نتاج تلك الثورات من دمار وخراب وإرهاق لألنفس املعصومة، الـتـي يتحملها كـل مـن حــرض عليها ومولها ودعمها وشجع عليها. جاء عن عبدالله بن عكيم -وقيل إن له صحبة- أنه قال: «ال أعـني على دم خليفة أبــدًا بعد عثمان، قيل له يا أبـا معبد أو أعنت على دمــه، قــال: كنت أعـد ذكـر مساويه عونًا على دمه». ونجد خاشقجي يكثر من التعريض وانتقاد ما قامت به الحكومة السعودية من إجراء ات هــدفــهــا الــحــفــاظ عــلــى األمــــن واالستقرار ووأد الـفـتـنـة فــي مــهــدهــا، وســاعــدت هذه اإلجـــــــراءات فـــي الــقــبــض عــلــى املحرضني لـلـخـروج على والة األمــر بـالـقـول والفعل، واملــؤيــديــن للجماعات اإلرهــابــيــة إلكسابها الشرعية بالفتاوى والخطب واملـقـاالت التي لم تــن عـلـى أدلـــة وإنــمــا هــي قـائـمـة عـلـى دغــدغــة العواطف لــدى الــعــوام وطلبة العلم املـبـتـدئـني، فـكـانـوا سببًا رئيسًا فـي خــروج عــدد كبير مـن هــؤالء األتـبـاع إلــى مـواطـن الفنت والصراع فذهبوا وقودًا لنيرانها، فيما هؤالء الدعاة آمنون مطمئنون فــي بيوتهم بــني أبـنـائـهـم وأهـلـيـهـم، فـكـان هذا اإلجــراء حتميا لكف شرهم وإبطال كيدهم وتآمرهم على بالدهم مع أحزاب ودول معادية، ومن أخطر هذه األحزاب جماعة اإلخوان املسلمني املصنفة إرهابية في دول عدة. في حديث خاشقجي عن نظريات وأنظمة الحكم في لقاء له مع إحدى القنوات الفضائية، ذكر أن هذا النظام لن ينجح فـي بــالد الخليج، وأخــذ يتهكم على الـسـعـوديـني ويسخر منهم ضمن قوله «إن سلمان العودة لو بقي هو وأصحابه عشر سنوات أخرى لن يتحرك الشعب من أجلهم». أليس في هـذا تحريض مبطن على الخروج والتظاهر والفوضى؟!. كــــان املـــتـــوقـــع مــنــه الــفــخــر والـــثـــنـــاء على وطنية أبناء جلدته ومحبتهم لقيادتهم، وحرصهم على أمــن بـالدهـم، لكنه فضل أن يــثــيــر الـــتـــســـاؤالت عـــن «الــوطــنــيــة» من منظوره وما يزعمه وعن ماهيتها! ال أظـنـه يـعـرف ماهية «الـوطـنـيـة» الـتـي أعرفها ويــعــرفــهــا كــل مــواطــن ســعــودي مـخـلـص لــوطــنــه ودينه وقيادته، فيا ليته يعطينا تعريفًا دقيقًا لتلك «الوطنية» التي يزعمها دائمًا، وبظني أنه إنما يستبدل قناعًا بقناع، فال نعلم له وجهًا واحدًا، وال لسانًا واضحًا، وملن لم يتيقن من حقيقة هذا التلون، فلينظر للسان األخ خاشقجي قبل خروجه من اململكة وبـعـده، وليقرأ تغريداته وإسقاطاته، وليشاهد لقاء اته التلفزيونية، وأجزم أنه لن يرى جماال.