ابن جدالن يعالج التواريخ املتهالكة
كان الزمن، وال يزال، وسيظل معادال موضوعيًا لثنائية اإلنسان، واملـكـان، إال أنـه املـعـادل األخطر في هـذا الثالوث، كونه مــادة غير مـحـسـوسـة، أو كـائـنـا غـيـر مـاثـل لـلـعـيـان، كـمـا أنــه يطبع بصمته، ويحفر أخاديد آثاره، تاركًا ضحاياه جثثًا هامدة، وربما ال يعترف اإلنـسـان بزمن ملموس إال عند اقـتـراب رحيله (كــأن لم يلبثوا إال ساعة من نهار). زمن العاشق أعقد األزمنة، من حيث طوله، وسرعة انقضائه، باختالف اللحظة التي يكون فيها العاشق، إضافة إلى ما يترتب عليه من احتماالت، فاالنتظار مثال يحيل املنتظر إلى ناقم على الزمن، والشاعر بكل ما أوتي من رهافة حس إن لم يكن زمــنــه عــامــرًا بــوصــل املــعــشــوق، مـتـحـديـًا ظـــروف املــكــان، وتصدي اإلنسان، يتحول لخصم عنيد، يقهره إما بالنسيان، أو كما فعل الــراحــل سعد بـن جــدالن حينما اسـتـدرجـه إلــى فـضـاء الشخصنة ليمكنه محاكمة آثاره املتهالكة: ودنــــــــا بــالــطــيــب مـــيـــر الــــزمــــن جـــحـــاد طيب
كــــل مــــا تــخــلــص مــــع الــــنــــاس كــنــك تغشها يذهب شاعرنا بكامل يقظته إلــى أن الـزمـن هـم الناس، وهــذه مندوحة لتفادي محاكمة غير املــرئــي، فالزمن متلبس بـاآلدمـي بكل مـا فيه مـن قلة الـوفــاء غالبًا، مـا يوجب على النقي الـخـارج مـن فـيء النخيل إلى رفـع الئحة االتـهـام، كما فعل املتنبي مـع الزمن ُُ ُُ في أكثر من قصيدة منها (أفاضل ِِ الناسأغراض لدى الزمن، ُُ يخلو من الهم أخالهم من الفطن) وفي قصيدة ثانية ُُ (أريدمن ّّ زمني ذا أن ُُ يبلغني،ما ليس يبلغه من نفسه الزمن). وبحكم التجربة البشرية ال الـشـعـريـة، يصل ابــن جــدالن إلى مرحلة التقاطع مـع املـثـل الــذائــع «اعـمـل املــعــروف وارمــيــه في البحر» أو «ليتنا من حجنا ساملني» عندما يقول: يــــــدك ال مــــــدت وفــــــا ال تــــحــــرى وش تجيب كــــــــان جـــــاتـــــك ســـــاملـــــة حــــــب يــــــــدك وخشها وبما أن الغالب األعـم أن املبدعني غير محظوظني في عالقاتهم العاطفية واإلنسانية، فمن الطبيعي أن يقع شاعرنا في ذات اإلشكالية: كل ما شبيت نار املحبة مع حبيب قـــــام يــســحــل فــــي مــشــاهــيــبــهــا ويرشها ابــن جــدالن يبلغ مبلغ التهذيب فـي التماس األعـــذار بحكم صفاء الروح الشاعرية. ويــتــغــافــل قــصــدًا وبــطــيــب خــاطــر عـــن تــــجــــاوزات الـــــدون، صاحب الوجه املدهون، والحبيب الذي يتعامل بأكثر من لــون، وال يبالغ فـي تضخيم الـــزالت، وإن شبه الخطأ من حبيبه، بالوجه الغريب وغير املألوف: كل ما واجهت لك في زمن وجه غريب مثل ما قال املثل دام تمشي مشها إال أنـه سرعان ما يعود لطبيعته البشرية الناقمة، ليصفي الحساب مع الذمم الرخيصة، واملتفانية في أذى اآلخرين بـقـصـد وإصـــــرار وتـــرصـــد، دون إذعــــان لـلـحـق، مــا يدفعه للدعاء عليها: وذمـــــــــة مــــــا هــــيــــب تــــــنــــــدار لـــلـــحـــق املصيب
جــــعــــل قــــشــــاش الــــحــــطــــب الســـــــــرح يقتشها