Okaz

اإلسالميون بني الدعوة والسياسة

-

مـنـذ بــدايــات نشأتها ركـــزت الـجـمـاعـ­ات الــتــي تلبس عــبــاءات الــديــن غطاء لـطـمـوحـا­ت قـيـاداتـه­ـا الـسـيـاسـ­يـة، عـلـى اسـتـغـالل اإلحــبــا­ط الـــذي عـانـت منه املجتمعات نتيجة عوامل اقتصادية واجتماعية وغياب الحريات العامة والشخصية، ووجهت نشاطاتها نحو الشباب تحت مسميات مثل (الصحوة) و(اإلسالم هو الحل)، وكان التأثير اإلعالمي عامال مساهما في زيادة تغلغلها في مؤسسات املجتمع عبر الخدمات التي كانت تقدمها في األريـاف تحديدا. في نفس الوقت كانت قيادات هذه الجماعات مرتبطة بعالقات وثيقة مع الحكومات، خصوصا في البلدان التي كان الحاكم يصل فيها فـجـأة إلــى السلطة خــارج صـنـدوق االنـتـخـا­بـات حـن يـكـون ساعيا لتحالفات وأدوات تساعده في ترسيخ بدايات صعوده، فحاربوا معه لتثبيت سلطاته، وشاركوا في مفاصل الـدولـة مكافأة ملـا بـذلـوه مـن جهد ومــا قـدمـوه مـن مـشـورة ورجـــال. لكن األوضاع سرعان ما تتبدل حن يــزداد الحاكم قـدرة على العمل بمفرده معتمدا على اآلليات التي صنعها بنفسه وأغـــدق عليها وقـربـهـا منه ومنحها جــزءا كبيرا مـن املــواقــ­ع الـتـي كانت الجماعات الدينية قد تبوأتها، فتبدأ عملية إقصاء طبيعية وتدريجية تنتهي بهم إلى السجون أو في أحسن األحوال إلى صفوف معارضة لم تكن خيارهم األول ولم يكن ذلك من أجل أهداف وطنية ولكن ألسباب ذاتية صرفة. تمكنت جـمـاعـات اإلســـالم الـسـيـاسـ­ي مــن مــلء الــفــراغ­ــات الـتـي أحـدثـهـا هـــروب الــنــاس إلى الغيبيات بعد أن ضـاقـت عليهم مـجـاالت العمل وتــزايــد البطالة وإغـــالق منافذ الـنـشـاط السياسي املفتوح، كما استغلت املتغيرات التي سمحت لها بالتحول للعمل العلني، فشكلت أحزابا سياسية واصلت اتخاذ النصوص الدينية مطية لهم وعملت على التعسف في تفسيراتها حتى تناسب أغــراضــه­ــا، لكن ســرعــان مــا اتـضـح أن هدفها ليس نشر الفضيلة وإصالح املجتمعات بقدر ما كان لهثا إلى االنفراد بالسلطة املجردة دون أن يعرضوا على الناس برنامجا سياسيا واضح املعالم ال غمض فيه وال يهتم بطمأنة اآلخر، ولم تكن برامجها أكثر من إعالن عن دولة رفاه وسعادة كاملة، وعن أنهم وحدهم قـادرون على تحمل املسؤولية وأن اإلســالم هو ما يؤمنون به وحدهم ويعملون على تثبيت قواعده، ولم يختلفوا عما يفعله اآلن الحوثيون تحت مسمى (أنصار الله)، فكلهم يتساوون في ادعاء امتالك الحقيقة الدينية وأن كال منهم هو صاحب األفضلية في تفسير النص و«الوكيل» الحصري لإلسالم، وصارت الساحة متاحة لكل من يعتلي املنبر عنوة وبتهديد ما يمتلكه من السالح. أيـضـا كــان لجماعات اإلســـالم السياسي أنـصـار مـن رجــال األعــمــا­ل الـذيـن اعتمدت عليهم لتحسن مـواردهـا املالية، وذلـك عبر دعمهم في الحصول على الصفقات غير القانونية، وتمكن هؤالء من تكوين ثروات هائلة دون أن يدفعوا ما عليهم من حقوق للدولة وواجب نحو املجتمع، وسـاهـم بعض مـن هــؤالء فـي تمويل مـا عـرف بـ«الربيع العربي» ولـم يكن هدفهم وطنيا وال دينيا، ولكن ألن أعمالهم التجارية تعرضت للمنافسة من املقربن الجدد للحاكم وصار الصراع مريرا على املال والسلطة في آن، فأضحى تمويل ما حدث في الشارع العربي مرتبطا بمصالح مالية انتزعت املبادرة من الشباب الذين خرجوا ببراءة وحسن نوايا إلى الساحات منادين بالتغيير، ولكنهم سرعان ما سقطوا ضحايا لقدرات أحزاب اإلسالم السياسي التي جعلتهم مطية ألهداف غير ما خرجوا من أجلها، وتحول األمر إلى صراع من أجل املشاركة في السلطة تحت شعار كاذب هو تجنيب البالد حربا أهلية، فخرج الشباب صفر اليدين وتمكنت هذه األحزاب من تحقيق مبتغاها ولو مؤقتا قبل أن يتمكن فصيل واحد من إقصاء الجميع. لــيــس مـطـلـوبـا حــرمــان األحـــــز­اب ذات الــتــوجـ­ـهــات اإلســالمـ­ـيــة مــن الــســعــ­ي لـنـشـر أهدافها االقتصادية واالجتماعي­ة والدخول في امليدان السياسي العلني، ولكن ما ليس مقبوال هو سعيها لفرض نفسها صاحبة الحق الوحيد فـي إدارة الـبـالد، إمــا بسند قبلي أو بحكم النسب والقرابة. أيضا يجب عليها االلتزام بمدنيتها وتسليم ما عندها من سالح حتى ال يتبدل الالعبون، في حن تستمر السيطرة على امليدان وتبديل قواعد اللعبة في أي وقت تراه مناسبا لها. السياسة والسالح نقيضان، وما لم تقتنع جماعات اإلسالم السياسي بأنها ليست وحدها ممثال للدين وال للوطن، فــإن الـصـراعـا­ت ستتوالى واالضـطـرا­بـات سـتـزداد واالنقساما­ت سـتـتـعـمـ­ق، وعـلـيـهـا أن تـضـع خـطـا فــاصــال وجـــــدار­ا سـمـيـكـا بــن الـعـمـل الـــدعـــ­وي والعمل السياسي، فـاألول مرتبط بالفعل املجتمعي وال يجوز إقحامه في قضايا خالفية، بينما الثاني له قواعد مختلفة نقيضة من حيث القيم واألهداف.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia