Okaz

عندما تطير املليارات

-

الفوبيا أو الخوف يحدث عادة من هواجس أو تــجــارب سيئة مــؤذيــة رغـمـا عــن اإلنسان ويتحسب لوقوعها، وحكاية سكان جدة مع املطر دخلت هذه الحالة منذ كارثة السيول األليمة قبل نحو ثماني سنوات ومــرارة تفاصيلها وحجم ضحاياها، وإن كانت مسبباتها األخطر في السيول املنقولة من الشرق إلى الغرب حتى البحر ليس من خالل شبكات تصريف، ألنها لم تكن موجودة أصال، إنما عبر الشوارع التي تـحـولـت حينها إلــى قــنــوات وبـحـيـرات فــي كل اتـجـاه. وهنا ال نريد أن نستدعي آالمــا التزال مــشــاهــ­دهــا مــاثــلــ­ة، والــحــمـ­ـد لــلــه أن تـــم إنجاز مشاريع الحماية من السيول بشرق جدة. أمـــطـــا­ر (الـــثـــا­لثـــاء) املـــاضــ­ـي أعــــــاد­ت شــيــئــا من تلك املـشـاهـد لكن فـي نـطـاق الــشــوار­ع والطرق الرئيسية التي تحولت خالل ساعات إلى وديان جــاريــة وأصــيــبـ­ـت بـالـشـلـل املــــــر­وري وتعطلت الحركة والناس، ومن سلكها مضطرا فقد غامر ومنهم من عبر ومنهم من حوصر بسيارته. مشكلة جدة مزمنة في غياب بنيتها األساسية بــافــتــ­قــادهــا ملــشــروع­ــن حــضــاريـ­ـن ال تستقيم الحياة دونهما في أي مدينة متحضرة، وهما شبكة الصرف الـصـحـي والـثـانـي­ـة شبكة تـصـريـف مـيـاه األمــطــا­ر، ولطاملا ظلت مشاهد «وايتات» الصرف الصحي تجوب شوارع جدة لعقود زمنية عديدة، باعتبار أنها مسؤولية كل عقار، وما أكثر الحفريات ملشاريع خطوط املياه والكهرباء والهاتف، إال مـن خطوط التصريف لألمطار، وفــي كـل أزمــة تتشابك املسؤولية بـن أكثر مـن جهة تتبادل االتـهـامـ­ات، حتى في حوادث مأساوية بسقوط أطفال في فتحات الشوارع، هكذا بن إهمال وفساد يحتاج إلى غرق ملفاتهما. كارثة سيول 2009 أعيد فتح ملفاتها واستدعاء متهمن أو ذوي عالقة ليحسم القضاء مجددا األسباب واملتسببن، فقد صرفت الدولة املليارات لعالج مشكلة جدة مع األمطار وما تسببه من مخاطر وخسائر ومعاناة ومظاهر غير حضارية مؤذية ومخزية اليصح استمرارها وتطرح تساؤالت حائرة، فرغم تلك األموال والسنوات فضحت األمطار األخيرة عمق األزمة بأن شوارع جدة ال تزال رهينة ساعات مطر، رغم أن اإلمكانات ممكنة وتتوفر الدراسات واملتخصصون، وهنا يكمن السؤال عن عدم إنجاز أو اكتمال شبكة تصريف مياه األمطار. لـألسـف مــن يـتـابـع تـصـريـحـا­ت املــســؤو­لــن في األمـانـات وبلدياتها الفرعية هـذه األيــام، يقرأ عـــنـــاو­يـــن عـــريـــض­ـــة عـــلـــى صـــفـــحـ­ــات الصحف وشــبــكــ­ات الـــتـــو­اصـــل عـــن الــجــاهـ­ـزيــة الكاملة لكل أمـانـة، وبــاألرقـ­ـام عـن عــدد األفـــراد وآليات شــفــط ونــقــل مــيــاه األمـــطــ­ـار وخــطــط لألنفاق والــــشــ­ــوارع، ومــواطــي­ــر ضـخـمـة عــلــى رأس كل نفق يتوق شوقا للمطر، لكن مع ساعة الجد ال تجد إال غيابا وارتباكات وال أثر لتصريحات املسؤولن وخططهم. حكاية جدة مع املطر لم تعد مجرد فوبيا، إنما جلطات مزمنة فـي قلب شوارعها إن كـان لها قلب يتسع لشبكة تصريف مياه ترحم السكان والــحــيـ­ـاة وتــلــك هــي األزمــــة الحقيقية الــتــي ال نـفـهـم معها أسباب غياب أو تأخر إنجاز املشاريع املطلوبة. كــان يحلو لـسـكـان جــدة تسميتها بــالــعــ­روس وتـغـنـى بها الشعراء وغنى لها أهلها والزائرون باألحالم، فكيف بهذه املدينة بأهميتها وحيويتها ومكانتها أن تستمر معاناتها مع املطر. إعــادة فتح ملفات السيول السابقة هي محاكمة إلهمال أو فساد مضى وال تزال جدة تدفع فاتورته الباهظة، ويبقى الحل في مواجهة هذا الخلل وسرعة إنجاز املشاريع املطلوبة وإغالق هذا امللف وفق منظومة متكاملة وليس كل طرف يغني على لياله بعقود مليونية وتصريحات هالمية تطير معها األموال وتبقى املشكلة والفوبيا بدال من الفرح باملطر. آنستكم الرحمة.

 ??  ?? د. إبراهيم إسماعيل كتبي
د. إبراهيم إسماعيل كتبي

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia