Okaz

زمن اإلخفاقات ولّى

-

«والـــــلـ­ــــه يــــالـــ­ـوال بـــــــرو­ق هــالــخــ­يــر الـــلـــي تالعج علينا من القبلة» ألمضيت -أنــا مع بقية أفراد جـيـلـي ومـــع غــيــرنــ­ا مــمــن يـجـهـلـون مقتضيات الـــقـــد­ر- مـنـكـسـر الــخــاطـ­ـر ألــعــق جــــروح الخيبة وأتحسر على إخفاقات جيلنا، عـزاؤنـا أن مرد تلك اإلخفاقات لم يكن يوما ثبوط الهمة على الــصــعــ­يــد الــشــخــ­صــي، بـــل كــانــت فـــي جوهرها انعكاسا إلخـفـاقـا­ت مؤسساتية على الصعيد املجتمعي. وال أشمل بالصعيد املجتمعي هنا كافة املجتمع، ما قصدته تحديدا هم الصفوة من الصعيد الجامعي الذي يفترض أنه مجتمع أكـاديـمـي بامتياز تقع عليه مسؤولية نهضة بالدنا الفكرية والعلمية. لـــكـــن الــــــدر­اســــــة الـــجـــا­مـــعـــيـ­ــة عـــنـــدن­ـــا -واسحب هـــذا الــكــالم عــلــى املــؤســس­ــة الـتـعـلـي­ـمـيـة بجميع مستوياتها- مرت بفترة غيبوبة قد تستعصي إزالة آثارها سريعا، تماما كما يستعصي إزالة القداح واملكاوي من على معاصم ورقاب جيلي والجيل الذي يليه. دعـــونـــ­ي أســــرد لــكــم حــكــايــ­تــي كــأحــد املجايلني لتلك الغمة، وهي مجرد حكاية من ألف حكاية وحكاية. قلت لهم في الجامعة: دعونا نفتح آفاقا جديدة مـــن آفــــاق املــعــرف­ــة، دعـــونـــ­ا نــقــرر تـــدريـــ­س مادة األنثروبول­وجيا. وقد أسهبت في تبرير طلبي هــذا ومسوغاته، بما فـي ذلــك الـقـول إن مناهج األنــــثـ­ـــروبــــ­ولــــوجــ­ــيــــا ونـــظـــر­يـــاتـــه­ـــا قد تفيدنا كمجتمع يكاد يــودع ثقافته التقليدية بجميع تجلياتها ويدخل دهاليز العصر الحديث. لكن الرد جاءني: أنت تريد أن تعلم الــطــالب أن اإلنـــســ­ـان أصــلــه قــــرد. لم أملك إال أن أجيب: والله بعض الناس قـــــــرو­د وبـــعـــض الــــنـــ­ـاس أوادم. إذن فلندرس اللهجات. أفا عليك -قالوا ليانت ولد حمولة وعليك الشرهة وتقول هالكالم، أمـا تعلم أن هـذه مـؤامـرة استشراقية لتقويض الفصحى، لغة القرآن، وتفتيت األمة العربية إلى دويالت تتكلم رطانات ال تفاهم بينها. طيب، مـاذا عن تدريس ثقافة البادية وشعرها ونظامها القبلي! قلت لـهـم. أجـابـونـي بصوت واحد: ال، هذي، سلمك الله، دعوة إلثارة النعرات القبلية ومن املستحسن عدم الخوض فيها. ذكــــرونـ­ـــي بـنـكـتـة مــصــريــ­ة تــقــول إن فــالحــا من الصعيد أرسل ولده للدراسة في األزهر الشريف. وفي العطلة الصيفية عاد الولد إلى الغيط وكان أول مــا شــاهــده أبـــوه جـالـسـا مستقبال الشمس يــتــبــو­ل فــصــاح بــــه: ال يـــابـــا، مـــا يــصــحــش كدا. فحرف األب اتجاهه فصاح به االبن: ال يابا، ما يصحش تستأبل اإلبلة. وهكذا كلما وجه األب وجهة انتهره ابنه. فلما احتار األب مــن صـنـيـع الــولــد صار يستدير على نفسه ويبول مرددا: هذا جزاء من يدخل ولده األزهر. صــــــــد­ق أو ال ّّ تـــــصـــ­ــدق، وأقــــــو­ل ذلــــك للتذكير، أن بـعـض الــزمــال­ء -بل وحـــــتــ­ـــى الـــــــط­ـــــــالب- ال يـتـورعـون عـن تدبيج الـــــــخ­ـــــــطــ­ــــــابــ­ــــــات تلو الــخــطــ­ابــات البـــن باز في حق أحد زمالئهم مــن أســاتــذة الجامعة مـــنـــبـ­ــهـــني النــــــح­ــــــراف أفـكـاره بقصد اإليقاع بـــــــه، ضـــــاربـ­ــــني عرض الــــــــ­حــــــــا­ئــــــــط بــــأنـــ­ـظــــمـــ­ـة وبــــــــ­ــأهــــــ­ــــداف املــــؤسـ­ـــســــة األكــاديـ­ـمــيــة والتعليمية بقضها وقضيضها. كـــانـــت الـــرســـ­ائـــل الــعــلــ­يــا في الـعـلـوم االجـتـمـا­عـيـة والتاريخ تـــبـــعـ­ــث مـــنـــهـ­ــا نـــســـخ إلــــــى وزارة الــــداخـ­ـــلــــيـ­ـــة إلجـــــاز­تـــــهـــ­ــا والــــســ­ــمــــاح بـمـنـاقـش­ـتـهـا بــعــد إجــــــرا­ء «التعديالت الــــــال­زمــــــة». عــــن أي أكاديميا نــتــحــد­ث! أيـــن هــي األكــاديـ­ـمــيــا في ظل تلك األجواء؟ سنني العجاج، على قولة األولني! اللي جاب طاري «هالسوالف املبطيه» هو أنني قرأت حديثا في صحيفة من صحفنا اليومية مـقـاال موسعا عن ضــــرورة إعــــادة الـنـظـر فــي تدريس الفكر الفلسفي فـي جامعاتنا. لقد فهمت بأن هذه مناداة التخاذ تغييرات جذرية فـي مؤسساتنا التربوية ورســم خطة تعليمية جــديــدة وجــــادة سـيـاسـتـه­ـا زرع بــــذور التفكير املـنـهـجـ­ي واملــنــط­ــقــي فــي مـنـاهـجـن­ـا التعليمية والتأكيد على أهمية تمرين العقول على هذا النمط العلمي في التفكير والتدبير. هــــذا هـــو الــطــريـ­ـق الــوحــيـ­ـد املـــــؤد­ي إلــــى اتخاذ الخيارات الصحيحة والـقـرارا­ت الصائبة وإلى تحقيق كــفــاءة اإلنــجــا­ز فــي الـحـيـاة الشخصية واالجتماعي­ة واملهنية. لم تكن ردهات الجامعات على عهد جيلي ساحة للتفكير الحر يصول فيها العقل ويجول محاوال القفز على حـواجـز املـاضـي وتـرسـبـات التاريخ ليحل عقد الحاضر ويستشرف حيثيات املستقبل. كـــان هــنــاك نـــوع مـــن االشــتــب­ــاك واملـــجــ­ـاولـــة بني

 ??  ??
 ??  ??
 ??  ?? سعد الصويان *
سعد الصويان *

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia