جدة: طفلة البدر وطالل تعزف جراحها حتت املطر
ربما سبقنا بدر بن عبداملحسن بحاسته الشعرية املــفــرطــة فـــي نــبــوءتــهــا بـــــــإدراك هــويــة الــغــيــم عند انـفـعـالـه عـلـى املـــدن الـشـبـيـهـة بــالــنــســاء، أو ببراءة األطفال، (إن النساء تواريخ كما املدن) وما املدن في األساطير إال نساء لهن ما للسماء من مباهج. ومنذ أن كتب البدر رائعته (يا طفلة تحت املطر) وصورة جـــدة ال تــبــرح مـخـيـلـة الــطــاللــيــني، فــالــبــدر وطالل مداح ثنائي عاشق للعروس، وعلى أيديهما تتلمذ عشاق مضرجة الشمس باإلحمرار، وأطال كالهما التحديق في شاطئها النرجسي، فرأيا ما ال نرى، وافتتنا بخصائص ال يراها إال الشعراء الحاملون. لم تكن «طفلة» البدر وربيبة صوت األرض خرجت بـعـد مــن أحـالمـهـا الـصـغـيـرة، ولــم تـكـن تـــدري بأن الباب البعيد لن يؤمن لها مالبس جديدة، اكتفى شاعرها بتتبعها بالنظر «تركض واتبعها بنظر» لم يحاول تقديم معونة أخالقية، خشية أن يفسد درامــيــة الــنــص، رغــم أنــه يعلم أنــهــا «تــركــض تبي الــبــاب البعيد» كـانـت على سجيتها فــي استثارة الــنــشــيــد، وعــفــويــة االبــتــســامــة عــلــى ثــغــر لــم يتقن الغواية بعد.. «تضحك على الثوب الجديد. ابتل وابتل الشعر». كان صدى مهندس الكلمة يرخي أطرافه على سدول لـيـل جـــدة، والــعــاصــفــة تـتـوحـش عـلـى جـسـد غض، يــصــارع كــبــريــاء شــاعــر مــن أجـــل تــذكــيــرهــا بطوق النجاة، اكتفى بفتح باب الحلم لئال يشوه عذريتها بشذى الكالم. حل به الشرود في فضاء تركض فيه طفلة تلهو في ممشى شرق مدينة جدة، مستمتعة باألجواء املمطرة التي شهدتها املحافظة، أخيرًا. (تصوير: أحمد املقدام) جياد الـكـالم املتعبة، فرمى كـل حمله على سائس األلحان الشفيفة كروحه، فأسند ريشته إلى أوتار عوده كما تسند فاتنة ميل مكحلتها إلى رموشها، فغذى أرواحنا املتصحرة بنكهة الثمار «لو رميتي شـالـك الــدافــئ عـلـى مــن الـسـمـا، دفـيـت الـشـمـس في فصل الجليد، لو نثرتي صوتك الحاني على صدر الظمأ، أنبت العشب وأخضر الجريد».