اللصوص الصغار
ســـأل شـــاب طــمــوح رجـــل أعــمــال نــظــيــف: كــيــف يـمـكـن أن أصبح مليونيرًا؟ فأجابه: إذا أردت الثراء يجب عليك أال تفتش عـن املــال، ولكن ابحث عـن الـنـجـاح، فالبحث عن النجاح سيقودك إلى املاليني، أما االنشغال باملال فربما يجعل منك نصابًا، ولصًا وستجمع أمواال ال يبارك الله فيها. ما كل من يستمع النصائح يأخذ بها، فالدنيا انفتحت على الـنـاس بمباهجها، وتــعــززت فـي مجتمعنا ثقافة «اللي معه يعيش، واللي ما معه ما يلزموش» وأسهمت خطابات الصحوة من جهة، والطفرة من جهة مقابلة في خلق نفوس جشعة ال يعنيها حل وال حرمة ما تجمعه من مال. إشكالية الفساد أنه شبكة متعالقة، تتقاطع تفاصيلها ودوافعها ونتائجها، ولو كانت الصحوة عملت بصدق على صنع مجتمع متدين ملـا رصـدنـا كـل هــذه املآسي، خصوصًا ممن ظنناهم لعقود قدوات في الزهد والعفة وعـــمـــل الــخــيــر، فــالــفــشــل أخــالقــيــًا دلــيــل قـــاطــع عــلــى أن الصحوة كذبة كبرى، واستغفال، ومنتج مستورد سوقه ضعاف الذمم، واملتاجرون بدين الله. ال يمكن أن ينمو فساد مالي في مجتمعات مثالية، إال أن الـفـسـاد االجـتـمـاعـي، يـولـد الـفـسـاد اإلداري، والفساد الـثـقـافـي، ينتج الـفـسـاد املــالــي. وكــل ذلــك تـغـذيـة راجعة لخطابات مزيفة لم تعرف من اإلسـالم إال اسمه، وال من الــقــرآن إال رســمــه. كــل الــفــســادات تـعـزز بعضها، وتدافع عن بعضها بشراسة، فرجل الدين الفاسد يثني ويزكي التاجر األفسد. الفساد شجرة، يتساقط من زهرها كل عام بذور جديدة، وما أن يحني الربيع حتى تتحول تلك البذور املتساقطة إلــى شجيرات قابلة للنمو، وإذا كــان اللصوص الكبار قابلني للعد والحصر فإن اللصوص الصغار أخفى من النمل األسود في ليالي مطلع الشهر. سألني صديق غيور: كيف تقرأ رغد عيش بعض صغار املوظفني ممن رواتبهم الشهرية ال تزيد عن أربعة آالف ريـــــال؟ قــلــت: ربــمــا بــبــركــة رواتـــــب الــــزوجــــات، أو بسبب نصيبهم فـي تــركــات. قــال: ال يـذهـب بـك حسن ظنك إلى التبريرات، وأضـاف: لعلمك هناك رجال أعمال فاسدون يصرفون رواتب شهرية لبعض موظفي الحكومة، سألته: ملاذا؟ فأجاب: هؤالء هم الكشافون، يرصدون املعامالت، ويــتــابــعــون املــنــاقــصــات، ويــتــلــفــون املــلــفــات، وينزعون الورقات، ويقبضون آالف الرياالت.