Okaz

العرب وإسرائيل.. السالم البعيد

- د. طالل صالح بنان talalbanna­n@ icloud.com

هناك: في العالقات بني الــدول، حــاالت عــداء مستعصية، ألسباب تاريخية وثقافية ودينية، سببت صـراعـات طويلة غير حاسمة أريـقـت فيها دماء.. وبددت فيها موارد، وخلفت جروحًا نازفة في الضمير والوجدان الجمعي للشعوب. األخطر في مثل هـذه الصراعات املزمنة: ذلـك الحاجز النفسي الصلب، الذي يفصل بني شعوب هذه املجتمعات املتصارعة.. ومن الصعب إذابته، حتى لو اقتضى - مرحليًا - منطق الدولة ذلك.. وذهبت خيارات النخب الحاكمة للقبول بواقعه. الصراع العربي اإلسرائيلي من بني تلك الصراعات النادرة، في عالم اليوم، التي تشكل أهم بؤر عدم االستقرار في النظام الدولي، وتؤرق مؤسسات صناعة السياسة الخارجية للقوى العظمى، ربما بصورة أكبر من ذلك الذي تسببه إقليميًا. إن نجح الغرب، في إقامة «سالم بارد» بني حكومات بعض الدول العربية وإسرائيل، إال أن ذلك لم يقد لقبول شعبي عربي لفكرة وواقــع إسرائيل، حتى في الــدول العربية، التي عقدت حكوماتها اتفاقات «سـالم» مع إسرائيل. لذا تبقى شرعية إسرائيل إقليميًا ودوليًا معلقة، ولن تكتمل دون املساومة، صهيونيًا ودوليًا، على فكرة ومصير بقاء إسرائيل نفسها. األسبوع قبل املاضي 17( نوفمبر )2017 حلت الذكرى األربعون لزيارة الرئيس املصري أنور السادات للقدس، في محاولة منه، كما قال: كسر الحاجز النفسي، الذي يحول دون إقامة عالقات طبيعية بني الدولة العبرية والعرب. لم يكسر هذا الحاجز النفسي، بل يمكن الـزعـم: أن الرفض الشعبي العربي إلسرائيل، ازداد صالبة ومقاومة، بصورة زادت من حالة الجليد املتراكم على هذا الحاجز النفسي، بما يكفي من ردع النخب العربية، التي أقامت أنظمتها عالقات مع إسرائيل، لجعل «السالم البارد» مع إسرائيل أكثر دفئًا. كما ترددت معظم الدول العربية في االنضمام لنادي «السالم البارد» هذا مع إسرائيل. املشكلة فـي نوعية الـسـالم الــذي يمكن أن يتطور بـني الـعـرب وإسـرائـيـ­ل. إسـرائـيـل تريد سالمًا، يصل لدرجة استسالم العرب، ليس فقط بواقعها، بل أكثر: بدورها، كقوة إقليمية متفردة إستراتيجيًا، في املنطقة. إسرائيل تريد سالمًا يتوجها زعيمة إقليمية في منطقة، هي أصال ال تنتمي إليها... ألن بقاء ها نفسه، يعتمد، ليس على قبول العرب بها، بقدر ما يرتكز على إخضاع العرب لها. إسرائيل ال يمكن لها أن تعيش في منطقة ال تنتمي إليها ال جغرافيًا وال تاريخيًا وال إنسانيًا، إال عن طريق ضمان تفوقها اإلستراتيج­ي وفرض خصوصيتها العنصرية فيها. إسرائيل بالرغم من تواضع إنجازاتها العسكرية، بإشعال أربع حروب خاضتها مع العرب وكسبتها كلها تقريبًا، إال أنها تظل بعيدة بعد السماء عن األرض عن سيطرتها على فلسطني التاريخية... دعك من زعم تحقيق حلمها في إقامة إسرائيل الكبرى من النيل للفرات. العرب، من جانبهم يريدون سالمًا، قد يقبل بواقع إسرائيل كدولة، في املنطقة، لكن ليس كقوة إقليمية متفوقة، تتمسك بخلفية عنصرية مقيتة. سالم: يقوم على الندية، وليس على الزعم بالتفوق العرقي والتميز الثقافي والقبول بأساطير «ميتافيزقية» تحكم العقلية الصهيونية.. وتتجذر في الضمير الغربي، بخلفيته التوراتية واإلنجيلية. سالم: ال يقوم على اغتصاب األرض وإنكار حق الشعوب (الفلسطيني هنا) في السيادة والحرية والهوية الوطنية. سـالم: ال يساوم على املقدسات.. وال يقفز على حقائق التاريخ وواقع الجغرافيا. سـالم: ال يهدف إلى إعـادة حركة التاريخ للوراء، وال يخدم أجندات خارجية فشلت في محاوالتها إلخضاع العرب للغرب، منذ غــزوات اإلسكندر األكـبـر.. إلـى فترة االستعمار الحديث، ومرورًا بالحروب الصليبية. باختصار: العرب يريدون سالم األنداد ال استسالم املهزومني، بدون قتال. سالم: ال يمكن أن تقبله إسرائيل دون أن تساوم على مصير وجودها.. وال يمكن أن يقبله الغرب، دون أن يساوم على املجازفة برهانه على أن تحقق إسرائيل ما فشل هو في تحقيقه، تاريخيًا، في بالد العرب، ملا يقرب من 25 قرنًا. ليظهر اإلسالم ممكنًا العرب، ليس فقط من تحرير جيوب للغرب في بالد ولد عدنان، في مصر والعراق والشام وشمال أفريقيا... بل أوصل العرب إلى تخوم أوروبا املنيعة، في جنوبها الغربي بشبه الجزيرة األيبيرية. ليواصل املسلمون زحفهم على القارة األوروبية من ناحية الشرق، في الوقت الذي أفل فيه شمس العرب في األندلس، بفتح القسطنطيني­ة معقل الكنيسة األرثوذكسي­ة في الشرق، ليتقدموا ويفتحوا شرق أوروبا حتى عمق وسطها. ال اليهود وال الغرب ينسون أن العرب أخرجوهم من شبه الجزيرة العربية ومـن أرض الرساالت القديمة في فلسطني وما حولها.. وال أن العرب هم من أخرج الروم من جوهرة اإلمبراطور­ية الرومانية في مصر، وال من تخوم جبهات صراعهم املتقدمة، مع الفرس، في العراق وشرق املتوسط وآسيا الصغرى. صـــراع الــعــرب مــع إسـرائـيـل هــو صـــراع ثقافي وحــضــاري وديــنــي، فــي األســـاس، تختلط فيه أساطير اليهود التوراتية، مـع أطـمـاع الـغـرب فـي السيطرة على مناطق استعصت سيطرتهم عليها لـقـرون بوسائل اإلخــضــا­ع التقليدية. املشكلة أن الـغـرب انتصر على صراعاته الداخلية بالحرب.. وانتصر حديثًا: على عدوه األيدلوجي (االتحاد السوفيتي) في الشرق، بدون حرب. إال في معركته السرمدية، مع العرب، لم ينتصر الغرب، ال بالحرب وال بغيرها. ليقع خيار الغرب على إسرائيل لتكون هي الوكيل الحصري لتحقيق ما فشل فيه إستراتيجيًا وحضاريًا في هزيمة العرب، لقرون. بهذا البعد الحضاري والثقافي والديني للصراع العربي اإلسرائيلي، يظل السالم في املنطقة بعيدًا، إلى أن تضمحل الفكرة (إسرائيل).. ويـزول واقعها، ويسقط الرهان على ورقتها.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia