أرملة حارس املنتخب «صبابة شاي» في األفراح
لم تكن الصورة بتلك السوداوية ونحن نتجه نحو حي منفوحة الشعبي (جنوبي العاصمة الـريـاض) لتلبية دعــوة سلطان النجل الوحيد لنجم الحراسة الدولي الراحل مبروك التركي، فما شاهدناه الحقا يفوق التصور املـبـدئـي الـــذي وضـعـنـاه وهــو يـشـرح لـنـا هاتفيا مـعـانـاة عائلته املمتدة لسنوات بعد رحيل عائلهم نجم النصر واملنتخب فـي ثمانينات القرن املاضي، كان املكان موحشا وفي أحد األزقة القديمة بذلك الحي الشعبي، واألمر من ذلك في ملحق بسطح عمارة متهالكة، يأوون إلى غرفتني وحمام وحيد ومطبخ بالكاد يتسع لشخصني. فـي إحــدى الغرفتني وهــي مخصصة لـ«سلطان 33( عـامـا)» وللضيوف، استقبلنا وفي وجهه انكسار واستسالم على أرضية ليس بها سوى لحاف وبطانية، بينما خصصت الغرفة الثانية لوالدته وشقيقته األرملة التي توفي زوجها من عام تاركا لها أربعة أطفال انضموا لتركة سلطان الذي يعمل في إحدى الوظائف املتواضعة براتب ال يتجاوز الــ0063 ريال هي كل دخل العائلة املنسية. كـانـت الــوالــدة خـــارج املــنــزل فقد عرفنا أنـهـا تعمل «صـبـابـة» فــي قصور األفراح بيومية 300 ريال قد تعمل مرة في الشهر أو الشهرين لتضيف ما يبدد بعض هذا الفقر الذي يمسك بخناق العائلة. يقول سلطان بعد أن اعتذر عن واجب الضيافة لضيق ذات اليد «ما أعرفه عن الوالد كـان عن طريق املؤرخني وزمــالء املرحوم من الالعبني القدامى إذ توفي وعمري سنتان، كما تحكي لي الوالدة -أطال الله عمرها- أنه كان صديقا لجميع الالعبني من كافة األنـديـة السعودية، وحضر عــزاءه أهم العبي الوطن العربي آنذاك». وعن ظروف وفاة والده يقول سلطان: «الوالدة أخبرتني أنه توفي -رحمه الله- عام ٤0٤١، وقتها كان متواجدا في معسكر املنتخب السعودي وتم إبـالغـه بـمـرض والــدتــه الشديد فـي مدينة أبـهـا ودخـولـهـا املستشفى مما اضطره ملغادرة املعسكر ووافته املنية إثر حادث مروري على الطريق بني مدينتي أبها وخميس مشيط». ويواصل سلطان الحديث: «األمير فيصل بن فهد -رحمه الله- كان يتواصل معنا عن طريق فهد الدهمش -رحمه الله- ويلبي حاجاتنا كما أخبرتني الوالدة، وكذلك األمير عبدالرحمن بن سعود -رحمه الله- الذي كان متكفال بإيجار منزلنا في حي الروضة، وكان يرسل لنا مبالغ بني فترة وأخرى عن طريق سائقه عبدالله الدوسري، ولكن بعد وفاتهما عدنا لحياة اليتم مــرة أخــرى، وال أنسى األمـيـر فيصل بـن عبدالرحمن الــذي تكفل مشكورا بمصاريف عالج الزائدة لشقيقتي قبل نحو أربع سنوات. ويتابع سلطان ونبرة األلم ال تفارقه: «لكم أن تتخيلوا أننا جلسنا شهرين دون كـهـربـاء بعد فصلها فــي الصيف لـعـدم الــســداد قبل أن أتــواصــل مع الكابنت هاشم سرور رئيس رابطة العبي النصر القدامى الذي قام مشكورا بسداد الفاتورة، وكذلك قدمت لنا الرابطة في شهر رمضان ثالث بطاقات بقيمة 300 ريال لشراء مواد غذائية». سألناه ملــاذا لـم يلجأ لرئيس نــادي النصر فـأجـاب: «بكل أمـانـة األمير فيصل بن تركي إنسان طيب جدا، ويحب فعل الخير حسب ما أسمع عنه، وألنني ال أملك سيارة أجد صعوبة في الذهاب للنادي، وحتى عندما أجد فرصة وأذهب للنادي ملقابلته ال أتمكن من ذلك، أحيانا يكون مشغوال مع الفريق حسب ما يقال لي، وأحيانا يكون مسافرا، وحقيقة أعذره لكثرة مشاغله ومتأكد لو وصلت له معاناتنا فلن يتأخر». زوجة املرحوم مبروك التركي اتصلت بنا الحقا معتذرة عن عدم تواجدها وقت الزيارة قائلة إن مثل تلك الفرصة ال تتكرر كثيرا وتحتاج للعمل ملواجهة التزامات األسرة خصوصا أطفال ابنتها الصغار. وتـقـول أرمـلـة الــحــارس الــراحــل مسترجعة سـنـوات الـصـبـر: «بـعـد وفاة املرحوم عشنا في سكن إيجار، وكان األمير عبدالرحمن بن سعود -رحمه الله- من يسدد اإليـجـار، وبعد وفاته اضطررنا لتغيير السكن أكثر من مرة بسبب عدم قدرتنا على الدفع، وحاليا نسكن امللحق الذي رأيتموه ولألمانة يتواصل معنا بني فترة وأخـرى ماجد عبدالله وهاشم سرور ممثال عـن رابـطـة العـبـي النصر الـقـدامـى، وعـلـي كميخ وأبــنــاء بـن دحم ويأتون إلينا ببعض املساعدات املقدمة من محبي املرحوم». وتـابـعـت: «مشكلتنا األسـاسـيـة تكمن فـي السكن، لـك أن تتخيل ثالثة أشـخـاص بالغني وأربــعــة أطـفـال يسكنون فـي ملحق مـن غرفتني وال يــوجــد دخـــل لــألســرة ســـوى مـبـلـغ الــضــمــان االجــتــمــاعــي وراتــــب االبن سلطان الــذي يعمل فـي القطاع الـخـاص وراتـبـه ضعيف جــدا ال يكاد يغطي حاجتنا». واختتمت: «أوجه رسالتي لرئيس مجلس إدارة هيئة الرياضة تركي آل الشيخ وواثقة -بإذن الله- أنه سيقف معنا كما وقف مع جميع الرياضيني، وكل ما نطلبه هو تكريم املرحوم وتوفير مسكن لنا، فقد تعبنا من التنقل من منزل إلى آخر بسبب تأخرنا في دفع اإليجار؛ ألن املرحوم توفي ولم يكن لديه بيت ملك».